25‏/04‏/2011

مدينة روصو .. ماض مشرق ومستقبل بيد الأبناء

أحمدو ولد سيدي (لكوارب)
ظلت مدينة روصو على مر تاريخها الطويل محتفظة بمكانتها الاستراتيجية الهامة، فهي مدينة تجارية وزراعية بامتياز، وهي همزة الوصل الرابطة بين موريتانيا وجاراتها الجنوبية، وبحكم هذا الموقع المحوري الحساس نالت المدينة أهميتها واستمدت قوتها وتأثيرها، فأضحت قبلة لشتى الزائرين من مختلف المناطق والأعراق .. علماء وأدباء، تجارا ومزارعين ... فكانت بذلك نقطة تلاق وتلاقح لثقافات متعددة، عربية وغير عربية، كما فرضت نفسها قسرا - باعتبارها نقطة عبور أساسية – على كل هؤلاء أن يمروا في شوارعها ويتخللوا أزقتها تاركين آثارا علمية وثقافية ظلت حتى عهد قريب عصية على الاضمحلال والانمحاء.

كان ذلك في عهود السيبة وأيام الإمارات، وحين آذن فجر الدولة الموريتانية الحديثة بالبزوغ كانت مدينة روصو حاضرة في أذهان المؤسسين، وكانت أحد الخيارات الثلاث المطروحة لأن تكون عاصمة الدولة المرتقبة، وإن تم استبعادها فيما بعد لصالح العاصمة انواكشوط إلا أنها ظلت تضطلع بدور فعال في بناء الدولة الحديثة، فساهمت بشكل كبير في ترسيخ مفهومها وتثبيت أركانها، حيث تخرج منها آلاف الأطر والكوادر والمثقفين الذين كان لهم الدور البارز في بناء الدولة، وكانوا جيلها المؤسس.
ففيها شيدت أول ثانوية وطنية على الإطلاق ضمت نخبة من الأساتذة والمفكرين، وكانت موئلا يلجأ إليه الطلاب من كل حدب وصوب، ومنها خرجت مدرسة تكوين المعلمين أجيالا متتالية من خيرة المعلمين في البلد وأكثرهم خبرة .. وعلى أرضها "الصلبة" وفي مدارسها العسكرية تدربت وتكونت صفوف العسكريين الأكفاء فكانوا العين الساهرة لحماية الوطن والمواطن.
وبعد سلسلة الانقلابات المشؤومة التي عانت منها بلادنا في فترات سالفة تتالت على مدينة روصو ــ كغير ها من مدن وقرى الوطن ــ السنون العجاف، فنالت حظها من الإقصاء والتهميش كاملا غير منقوص، فبدلت الأرض غير الأرض وانقلبت المفاهيم وتم الإجهاز على ما تبقى من مفهوم الثقافة والتعلم، لتتحول المدينة إلى حلبة تنافس وصراع أبطالها تجار ومزارعون تكتمل حظوة أحدهم ويتسع هامش ربحه بقدر ولائه وتزلفه لحاشية السلطان ومقربيه.
وأضحت الثقافة والأدب في قاموس القوم رمزا من رموز التخلف وسمة من سمات الفاشلين، فاستحالت إلى تجارة كاسدة لا يتعاطاها من أبناء المدينة إلا "المتردية والنطيحة وما أكل السبع" ممن فاتهم ركب الأقوياء، وهمهم الأوحد من ورائها دريهمات قليلة يجنيها أحدهم على هامش سهرة ليلية ماجنة أوفي حفل استقبال كرنفالي مزيف، ولو كان ذلك على حساب المبادئ والأخلاق.
رحم الله أبا الحسين الجزار فقد حالفه الصواب وكان حازما يوم هجر الشعر والآداب وانكفأ على مهنته "الجزارة" حفاظا على ماء الوجه وطلبا للترفع ..
كيف لا أشكر الجزارة ماعشـ
ـت حفاظا وأهجر الآدابا
وبها صارت الكلاب تـرجـ
جيني وبالشعر كنت  أرجو الكلابا
جدير بنا ــ نحن أبناء مدينة روصو ــ أن نشمر عن ساق الجد فنتصالح مع ذواتنا ونعود إلى سابق عهدنا لنصحح المفاهيم المغلوطة ونعيد إلى مدينتنا الحبيبة ألقها المفقود ومكانتها الأدبية المنتزعة.
صحيح أنه في الآونة الأخيرة بدأت تطل على استحياء بعض الأندية والروابط والجمعيات الثقافية محاولة بمجهودها الخاص والمتواضع من خلال أمسيات وندوات ثقافية أن تعيد إلى المدينة بعض توازنها  حتى لا تظل مرتبطة في ذهن المواطن بجانب مادي بحت، فهنيئا لهم على هذا السعي المشكور، لكنه سيظل ــ على الرغم من أهميته ــ جهد مقل وعملا منقوصا ما لم يؤازره حضور رسمي فاعل ممارسة وتشجيعا ..
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
إذا كنت تبنيه و"غيرك" يهدم
حري بنا ونحن نقف على أعتاب الأيام التشاورية حول الثقافة والشباب في ولاية اترارزة أن نتساءل :
هل ستقام هذه الأيام كما أقيمت من قبل لمجرد الاستهلاك السياسي والإعلامي، فتقطع بمظاهر البذخ والتفنن في ضروب الأكل والشرب، وتحيى لياليها بسهرات ماجنة يتنافس فيها المبدعون من الفنانين والراقصين ..؟ والثقافة بريئة من كل ذلك براءة الذيب من دم يوسف.
أم أن الجهات المعنية ستتدارك ما فات فتصحح الأخطاء وتعود بنا إلى سابق عهدنا المشرف من خلال حوار ثقافي بناء يستهدف الإصلاح والتنمية وتدعى إليه نخبة أبناء المدينة من المثقفين الأكفاء والمصلحين الأخيار، بعيدا عن تمييع الأمور وتسييسها؟ .. ذلك ما نرجوه.      
الأستاذ: أحمدو ولد سيدي

هناك 9 تعليقات:

  1. لا فض فوك

    ردحذف
  2. قلت وقولك الحق عن مدينة روصو تلك المدينة التي لم يبقى من آثار الثقافة والعلم إلا مايملأ العين من الغبار ويزكم الانف من الدخان ويجلب العار من كثرة الرذيلة والسهرات الماجنة فعلينا كمثقين وأصحاب وعي مدني ونشطاء سياسين محاولة تدارك الأمر قبل إستحفاله مساهمة في حفظ ماء الوجه لهذه المدينةفشكرا ياأستاذي أحمدو ولد سيدي على هذه اللفتة الرائعة والتي قل من يعيرها إهتماما

    ردحذف
  3. هذه القوافي أتت من شاعر لبق وشعره زينة الدنيا لكل تقي
    إذا تكلم فاح العطر وارتسما على محياه مثل النور والفلق
    السلام عليكم أيها الشاعر المخضرم دمت ودام لك المجد... أهديك البيتين أعلاه وأعتذر إليك عن رداءة التعبير وضعف اللغة

    ردحذف
  4. مسكين ولد سيدي كط اكداو اعليه القوميين النار الين اسكت ........هههههههههههههههههه

    ردحذف
  5. الايام الثقافية في روصو مدينة الغبار....أشبه ماتكون بألعوبة الصغار ...تخدير بالموسيقى الصاخبة "الراب" وتنويم للمواهب الحلاقة والنفوس العملاقة في فسيفساء وسفسطيات عاف عليها الزمن وتقيأ مرها... هكذا المندوببة الجهوية التابعة لوزارة الثقافة المتهالكة تقدم للشبابمالايسمن ولايغني عن الفراغ والبطالة وتبديد الطاقات الكامنة ليعيش هؤلاء على فتات هذه المائدة المسممة بأشياء وافدة ودخيلة على مجتمعنا المحافظ...أيها الشباب إني لكم من الناصحين فلاتقبلوا بهذا الوضع وتشبثوا ببيت عنتلاة العبسي:
    ولقد أبيت على الطوى وأظله حتى أنال به كريم المأكل
    هذا زمن اللآءات زمن الثورة زمن الحرية زمن رفض الظلم ومعاقبة أهله سوء العقاب وحتى يتحقق الحلم نحن على موعد تعليق تابع لخبر الايام الثقافبة في روصو

    ردحذف
  6. طالب بالجامعة28 أبريل 2011 في 2:22 م

    هذا الأستاذ كتبنا نحن عنه هو وطراطره في روصو حتى تاب توبة نصوحا إلى شيوخه من الكتابة وهاهو يعود اليوم لكن نقول له فإن عدتم عدنا فالأقلام مازالت على حالها ولن ينقذك شيوخك ولا طراطرك بعدها أبدا

    ردحذف
  7. إذا كنت ماتنويه فعلا مضارعا مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم
    رفيقي أيها الطالب الجامعي "الل ماه كد ريك ألا تساف أمعاه ادكيك" وتكلم على قدرك ومستواك الجامعي ولاتطاول عنقك إلى مالاتصل إليه رفيقي الاستاذ دونه" صراصير" ستتحول إلى "زنابير" إذا حاولت الاقتراب منه أو النيل من شأوه ودونه حدق الحديد ودونها جيش يماثل عرضه عرض السما وأنصحك أن تسأل" قومك" حتى يرشدوك إلى مايعود عليك بالنجاة رفيقي مايتكلم معك أحد رفاقه "الصراصير" فقدم ماعندك ونحن لك بالمرصاد

    ردحذف
  8. والله ال وخيرت حت ..إنكم لا تعرفون هذا الأستاذ العالم هذا هو آخر من يحمل إجازة في القرآن الكريم بخط العلامة سيدي محمد ولد الدولة رحمه الله تعالى

    إنه فوق ذلك أديب وشاعر وفقيه معروف في المنطقة،كان الأساتذة في المدرسة العليا للتعليم يصدرون عن قوله ويعتبرونه مرجعا في النحو
    وحتى الآن بلغنا يظل يحيط به التلاميذ من كل جانب من أجل سؤال عن مسألة أو استرشاد في قضية،وهو إسلامي يحب الله والدعوة إلى الدين والقوة فيه وهو وقور متواضع أديب أريب،فعلى من يريد أن ينال منه أن يفكر ألف مرة قبل أن يفتح فمه تجاهه

    ردحذف
  9. لله درك يا أستاذ مقالك رائع ولا غرو ، وستظل القافلة تسير والكلاب تنبح

    ردحذف