25‏/04‏/2011

التقي ولد الشيخ: شعراء الترارزة شوهوا سمعتها بالتطبيل لولد الطايع

الشاعر الدكتور التقي ولد الشيخ (لكوارب)
في مقابلة طريفة وشيقة مع الشاعر الكبير الدكتور التقي ولد الشيخ (رئيس مصلحة العمل الثقافي بالمندوبية الجهوية للشباب والثقافة والرياضة في روصو) قال إن شعراء ولاية اترارزة شوهوا سمعتهم الأدبية بالتطبيل للرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.
ودعا الدكتور التقي في مقابلته مع مدونة لكوارب إلى تقديم الأثر الشعري في ولاية اترارزة للقراء ووسائل الإعلام، معتبرا أن مقاطعة أغلب الشعراء المرموقين في الولاية لوسائل الإعلام سمح ببروز شعراء أدعياء لا يمثلون القامة الشعرية المعروفة في البلاد.

وتحدث الدكتور التقي عن العلاقات الموريتانية السنغالية من خلال الشعر، وعن أثر مدينة روصو في تلك العلاقات، مستعرضا نماذج شعرية فصيحة وشعبية تعزز تلك العلاقة.
نص المقابلة:

لكوارب": نرحب بكم في بداية هذا للقاء ونود منكم في البداية ن تحدثونا عن الماضي الثقافي في مدينة روصو؟

التقي ولد الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، شرف لي عظيم أن أكون في ضيافة هذه المدونة العزيزة على قلوبنا والتي تسعى إلى نفض الغبار عن هذا التراث الهائل الذي تحتضنه ولاية اترارزة، خصوصا منها منطقة لكوارب التي كانت على مر التاريخ نقطة تلاق وتلا قح بين الثقافات المختلفة، بين العمالتين ــ كما يقول المؤرخون ــ العمالة الإسماعيلية والعمالة الموسيابية، فهي منطقة التقاء بين الدولة الموريتانية أوالمجال الشنقيطي أو المنكب البرزخي وبين بلاد السودان والتي نذكر منها دولة السنغال.
فقد شهدت هذه المنطقة مرور عشرات المؤلفين وعشرات العلماء والمؤرخين الذين قطعوا البلاد جيئة وذهابا يعملون على إقامة تبادل اقتصادي وثقافي وروحي بين موريتانيا والسنغال.
هذه البلاد مر منها كثير من المشايخ والعلماء باتجاه السنغال تجارا ومريدين وناشرين وحاملين للثقافة الشنقيطية وناشرين للدين الإسلامي الصحيح، فامحمد ولد أحمد يوره وباباه ولد ابته ومحمد محمود ولد أحمذيه ومحمد ولد أبن والمختار ولد حامد وغيرهم ممن يضيق المجال عن ذكر أسمائهم مروا من هنا وكانت لهم ذكريات خالدة في هذه المنطقة، فمحمد ولد آبوه يقول في الحنين إلى مدينة "سين لوي" السنغالية:
بإذن الله عن كثب ســـــنلوي      صدور اليعملات إلى "سنلوي"

ويقول محمد محمود ولد أحمذيه :
إذا العشرون من شعبان بانا       فشمر واستــــــعد لـ "بانا بانا"

و"بانا بانا" هي التجارة التي كان هو ينشط  فيها، وهو يعني أنه يستعد إلى الرحيل جنوبا ليمارس التجارة ثم يرجع.
وكذلك الشيخ أحمدو بمبه والشيخ إبراهيم انياس كان لهما مريدون في هذه المنطقة وكانوا كثيرا ما يذهبون من هذه البلاد جنوبا ليلتقوا بمشايخهم ولينشروا العلم والثقافة وليستفيدوا مما هنالك، فالشيخ أحمدو بنبه ــ على سبيل المثال ــ له مريدون كثر في هذه البلاد، فهذا الشيخ محمد
 الأمين ولد الشيخ المعلوم يقول في مدحه:
إليك وإلا فالنجائب فــــــــي تعب     خديــــــم الذي حلى بــــــحلته كعب
قطعت إليك البحر والبحر أنت هو    وقاطع بحر نـــحو بحر من العجب
علوت الورى كعبا وحـجوك كعبة     فمن كل صــــــوب ينسلون ومن حدب
وللحج ميـــــــــــــقات وحجك دائم     وليس إلى شهري جمادى ولا رجـب

وهذا الأدب المسمى "ازريكه" أثراه قدوم هؤلاء الشعراء مارين من هذه المنطقة إلى السنغال، فهذا باباه ولد ابته يقول:
يا ذا الجلال ويا من من تشاء توتي      خيرا كثيرا وتوتي من تشاء "توتي"

وكلمة "توتي" تعني بالأولفية شيئا قليلا، ويقول أيضا:

يا حاسدا "فاضلا" رب العباد يخص    بالفضل من شــاء لا تطمع بغير "سبص"
ما خص فاضــــــــلنا رب العباد به     لو طرت من حسد نحو السما "دكمص"

و"سبص" أي نصيبك، و"دكمص" تعني لن تذوقه.

فلو لم يأت هؤلاء الأدباء للدولة السنغالية ويتعلموا هذه اللغة لم نجد اليوم هذا الأدب الذي هو أكبر شاهد وأكبر دليل على التلاقح الثقافي القائم بين الضفتين السنغالية والموريتانية.

لكوارب: برأيك، لماذا ارتبطت هذه المدينة في أذهان الكثيرين بالحمى والبعوض وغاب عنهم جانبها الآخر؟

 
التقي ولد الشيخ:  فعلا، هذه المدينة ارتبطت في أذهان المسافرين ــ الذين يقيمون هنا ثم يعبرون ــ بانتشار البعوض وحمى الملاريا، وهذا لا يضيرها  لأن المدينة المنورة كانت مرتبطة بالحمى، فهذا عروة ابن الورد يقول :

وإني وإن عشرت من خشية الردى      نهاق حمير إنني لجزوع

لأنهم كانوا يزعمون أن من قدم إلى يثرب لا ينجيه من حماها إلا أن ينهق عشر نهقات كما يفعل الحمار، وهذا لا يضير المدينة المنورة ، كما أن روصو لا يضيرها انتشار حمى الباعوض، وبالسبة للباعوض فإنهم يقولون إنه لايقطن إلا في مكان خير وخصب، وقد قال محمدو ولد الشيخ:
بعض البعوض بجنب السبع كلمنا      وقد أصم لغــــــــاه اللغو آذاننا
كأنه الليل في إقبــــــــــــــاله معه      أو الطغاة البغاة الضرب والطعنا

وهذا المختار ولد الميداح يقول:

ناموس الدشر قـــــــوت    وحد تصمك عـــشراي
واتصهر "عر" افغبت     في الريح اعلى ظهراي

ولكن هذا إنما هو وصف لمظهر من المظاهر التي تصاحب المدن كثيرا، والمدن عبر التاريخ دائما يكثر فيها البعوض والبق وتنتشر فيها الحمى.
فالشاعر يقول وهو في حضرة النعمان ابن المنذر في مملكته وهي حاضرة :

فآليت لا آتي الســـــدير وأهله   وإن قيل عيـــــش بالسدير نضير
به البق والحمى وأسد ضرية    وعمرو ابن هند يعتدي ويجور

فهو وصف العيش بالسدير بأنه نضير ومع ذلك فثمة البق والحمى وثمة عمرو وابن هند يجور ويعتدي وهذه ظواهر طبيعة تصاحب المدن كثيرا ولا تعني شيئا.

لكوارب: كيف تفسرون غلبة الجانب التجاري والزراعي في هذه المدينة على الجانب العلمي والثقافي؟

التقي ولد الشيخ: لهذا أسباب عدة، منها العامل الطبيعي الذي كنا نتحدث عنه من أن هذه البلاد يكثر فيها البعوض لذلك لا تلائم كثيرا من الناس، بل إن ساكنتها يرحلون دائما مع اقتراب الليل ويقضونه خارجها خوفا من البعوض، وبالإضافة إلى ذلك فهذه المنطقة منطقة عبور للمسافرين، وليس فيها استقرار إلا لمن  تأقلم مع هذه الطبيعة وأصبح جزءا منها، وقد كثر اهتمام ساكنة هذه المنطقة بالزراعة وكثر اهتمامهم بالتبادل التجاري، وهي منطقة حدودية وعادة المناطق الحدودية أن يغلب فيها التبادل التجاري، فليست مناطق أدبية بالدرجة الأولى، لأن الثقافة لا تمر منها إلا لماما.
لكوارب: هل تتذكرون بعض ما قيل في هذه المدينة من الأدب؟  

التقي ولد الشيخ: هذه المدينة قيل فيها الكثير من الشعر، ولكن الذين يقولونه دائما هم مسافرون وعابرو سبيل، وقد يعبرون عن انطباع مسافر ليس مقيما، وفي ضواحيها نجد شعرا لامحمد ولد أحمد يوره حيث يقول:
ألا ليت شعري هل بني همرصـــــمبا      وهل حيهم قد جاوروا "لتـــــكشكمبا"
 وهل صمبا الفلان تغدو نساؤهم            سراعا إلـى "الصطاره"حاملة "تمبا"

وهذا وصف لبعض مظاهر الحياة البدوية القائمة في المنطقة.
ويقول في "لورين" المجاورة لمدينة روصو:

أيا نخلتي "لورين" إني على العهد    وإن كنتما مني على العهد في زهد
فمبلغ جهدي أن ســــــــلام عليكما    وليس يلام المرء في مبلغ الجهـد

لكوارب: في فترة الماضية مررتم بهذه المدينة، كيف تقارنون بينها اليوم مع تلك الفترة من الناحية الحضارية والمعمارية؟

التقي ولد الشيخ: لقد لاحظت أن المدينة تغيرت في عيني كثيرا، فقد كثرت فيها الشوارع المعبدة بشكل لافت للانتباه، حتى إن الوافد عليها اليوم قد يضل عن أماكن كان يعرفها لأن وجه المدينة تغير تماما من ناحية الطرق المعبدة والبنايات المنتشرة، فهناك فرق كبير بين المدينة سنة 2007م  حيث عرفتها وبين المدينة اليوم 2011م، فقد وقع تغير كبير في الوجه الحضاري والعمراني للمدينة في الطرق المعبدة و البنى التحتية.

لكوارب: كيف تنظرون اليوم إلى الأدب في منطقة اترارزة؟

التقي ولد الشيخ: ولاية اترارزة عموما ولاية أدب، وما ينقصها هو الإعلام، لأن الأدب في هذه الولاية تتعاطاه الناس كما تتعاطى الشاي وتستعمله كما تستعمل الخبز، فهو جزء من حياتها لذلك فإنك قلما تجد ثلاثة في هذه الولاية إلا واثنان منهم يقرضان الشعر أو يتذوقانه، لكن حضورهم الإعلامي طفيف، ربما لأن الأدب جزء من حياتهم فإنك ـ على سبيل المثال ـ  لا تستطيع أن تعلم الناس جميعا أنك تأكل الخبز أو تشرب الشاي، فتعاطيهم الأدب بهذا الشكل الاعتيادي جعلهم لا يعولون كثيرا على الجانب الإعلامي.

واللافت أن هذه الولاية ولاية أدب قبل أي شيء فلا تكاد تجد أحدا من أفرادها إلا ويتعاطى الشعر إنشادا أو إنشاءا أو تذوقا على الأقل، وفي هذه الولاية توجد بيوتات شعر كما كانت موجودة في الجاهلية، كما قال الحطيئة لكعب ابن زهير أنتم بيت شعر فاذكرني في شعرك لعل الناس يعترفون بموهبتي، فكان يقول:
فمن للقوافي شانها من يحوكها      إذا ما مضى كعب وفوز جرول
وهذه البيوتات موجودة في ولاية اترارزة، فقد تجد فيها بيتا أهله شعراء جميعا ، ولا أعتقد أن هذا يوجد في غير هذه الولاية، ويمكن أن تعد فيها كثيرا من البيوتات التي يتعاطى ذووها الشعر كبارا وصغارا رجالا ونساءا، وهذه ميزة ولاية الترارزة .

لكوارب: هل تقصد هنا الزمن الماضي ام الحاضر؟

التقي ولد الشيخ: هذا كان في الزمن الماضي وما زال مستمرا حتى اليوم ، فهنالك أوساط شعرية إذا جئتها تبحث عن الأدب والشعر ستجد أهلها جميعا يتعاطون الشعر ويقرضونه، فهو متسلسل فيهم.
لكوارب: ذكرتم أن اترارزة ولاية أدب، فكيف تقيمون هذا الأدب وهل هو بخير؟

التقي ول الشيخ: الأدب بخير في ولاية اترارزة، ولكن ينقصه كما أسلفت أن يطلع عليه الناس، فأنا أعرف كثيرا من الأدباء والشعراء لم يظهروا في التلفزة الوطنية أبدا ولم يتكلموا في إذاعة موريتانيا مع أنهم من حيث المستوى الأدبي أفضل بكثير ممن لا يغادرون هذه الشاشة وهذه الإذاعة، لكنهم  يتعاطون الأدب ويحترمونه، واحترامهم له جعلهم ربما يسيئون التقدير في عدم التعاطي مع وسائل الإعلام، وأنا أعتبر ذلك إساءة تقدير منهم.
ولقد حاولت إقناع كثير من هؤلاء الأدباء بالتعاطي والتفاعل مع وسائل الإعلام فكان ردهم أن وسائل الإعلام تروج لأنماط رديئة من الشعر ومن الأدب ونحن نربأ بأنفسنا عن المشاركة في ذلك.
وهنا أقول لهؤلاء إن هذا الأدب وهذه الشخصيات التي تتحدثون عنها بعد ستين سنة من الآن ستكون هي الشخصيات الأدبية التي كانت مسيطرة في هذا القرن، وعبء ذلك يقع عليكم أنتم لأنكم لم تظهروا إلى جانب هذه الأصوات لتقدموا الأدب الناصع الحقيقي الذي أنتم تمتلكون ناصيته وزمامه، فأنتم بذلك تساهمون مع الإذاعة والتلفزة في الترويج لأشكال أدبية رديئة، وفي إظهار أشخاص أدعياء لا يعرفون الشعر ولا يعرفون "لغن" على أنهم شعراء و"امغنون".

لكوارب: برأيكم من المسؤول عن هذا الغياب الإعلامي لأدب الولاية، هل هو الأدباء أم وسائل الإعلام؟

التقي ولد الشيخ: هذه الصورة من التهميش التي يعاني منها الأدب في هذه الولاية منتزعة من متعدد ... من زهد الأدباء أنفسهم ونظرتهم السلبية لوسائل الإعلام، ومن عدم اطلاع القائمين على الإعلام والثقافة بمسؤوليتهم في التنقيب والبحث عن الأدباء الحقيقيين الذين يبرزون الوجه الحقيقي لهذا القطر الذي يعيد إلينا صورة عن المختار ولد بونه وعن محمد ولد أبن وعن أبناء مايابى وأبناء أحمذيه ومحمدو النانه ولد المعلى وغيرهم من الأدباء الحقيقيين.

فهذه المسؤولية تقع على عاتق القائمين على الشأن الثقافي والإعلامي من جهة، وعلى هذه الشريحة من الأدباء التي تحدثت عنها آنفا والتي تعتقد أنها تعتزل التلفزة والإذاعة وما تقومان به من الترويج للأشكال الأدبية الرديئة، ومن تقديم الأدعياء على أنهم شعراء وخطباء مفوهون.

لكوارب: يقول بعض المهتمين بالأدب إن الأدب في هذه الولاية غلب عليه في العقد الماضي اللون السياسي كثيرا، خصوصا في عهد ولذ الطائع، كيف تعلقون على هذه المقولة؟

التقي ولد الشيخ: هذا صحيح بالفعل، وقد أساء إلى الوجه الحقيقي للولاية، وهنا أروي لك  حادثة وقعت لي مع أحد الأدباء في هذه الولاية، فقد رأيت شاعرا هنا في روصو ألقى شعرا أمام الرئيس  معاوية ولد سيد أحمد ولد الطائع في ثوب معين، وبعد سنتين جاء هذا الشاعر إلى حفل مقام في إحدى الولايات الأخرى على شرف معاوية ولد سيد أحمد ولد الطائع فجاء بنفس الثوب ولبسه وألقى فيه. 

فقلت لهذا الشاعر : هذه الفضفاضة، قد رأيتك تلقي بها في مكان ما؟

 فقال : هذا الرجل (معاوية ) لا يعرف الشعر ولكنه يتذكر الفضفاضة فيقول هذا الشاعر قد رأيته من قبل وقد مدحني في ولاية أخرى.

وقد علقت على هذه الحادثة فقلت:

قال الزعيم وقد تــــــــــقدم شاعر    متملق يهدي بيانا ســـــــــــــاحرا
هذا القصيد ســـــمعته من قبل ذا     ورأيت قبل اليوم هذا الشــــــاعرا
ما إن نويت زيــــــــــــارة لولاية     إلا وسابقني إليــــــــــــــــها طائرا
يرقى المنابر في الشـمال مرددا      مدحي ويرقى في الــجنوب منابرا
وله إذا شـرقت شعر هلــــــــهل     عذب يعد محامــــــــــــــــدا ومآثرا
وأراه يحسب مــن فعالي عاقدا     ـ ومن الوعود ـ خناصرا وبناصرا
والله لو أفرغت كل خزائــــــني      في جيبه وبذلت ملكي شـــــــــاكرا
لعجزت عن رد الجميل ولو بدا     في قوله لذوي الســــــذاجة ساخرا
ما كنت آخذ فاجرا بمــــــــــقالة      وأنا الذي أبدعت شعبــــــــا فاجرا  

فهذه المسألة وقع فيها شعراء الولاية، وللأسف الشديد أساءت إلى الولاية وأساءت إلى الشعراء أنفسهم.
وهنا أوجه كلمة للشعراء أنهم ينبغي أن يعلموا أن الوظيفة التقليدية للشاعر لم تعد موجودة، ففي القديم كان الشاعر يقول:

أعطى أبوك أبي مالا يعيش به     فأعطني مثل ما أعطى أبوك أبي

وهذه العلاقة بين الشاعر والبلاط يجب أن تتغير، فهذا زمان الوعي وزمان الأمم والشعوب وليس زمان شخصنة الأمور وتعلقها بحاجيات الشخص نفسه.

ومن الغريب أن ذلك الشعر الذي قيل لأغراض انتفاعية تملقية لا يخلد، فجميع الأشعار التي قيلت في مدح معاوية ولد سيد أحمد ولد الطائع لا تجد اليوم من يحفظها ولكنك تجد الأشعار التي قيلت في نقده محفوظة مروية على ألسنة الرواة، لأن الذين كانوا ينتقدونه كانوا صادقين والذين كانوا يمدحونه كانوا كاذبين مثل الذين كانوا يمدحون أي ملك، تماما كما قال الشاعر:

يموت ردي الشعر من قبل أهله    وجيده يبقى وإن مات قائله

فمسؤولية الالتزام مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأدباء، فلابد أن يحترموا الناس ويحترموا مواهبهم، واحترام الموهبة يكمن في أن لا تبيعها، فإذا بعتها فإنك تأخذ الثمن وتنتهي الموهبة مع أخذك للثمن لأن الشيء المعوض يموت بأخذ عوضه، ولذلك تلك الأشعار ماتت بل إن أهلها أصبحوا يتبرؤون منها، ولقد رأيت دواوين شعرية للشعراء الذين كانوا يسيرون مع ذلك النظام في حله وترحاله ويمدحونه، ولما ألقيت عليها نظرة وجدتهم حذفوا جميع القصائد التي قيلت في مدح النظام، وهذا مناف للأمانة العلمية.

قد يقول أحدهم إن المتنبي وهو شاعر كبير يمدح، لكن المتنبي يمدح لهدف، لأنه يطمح إلى الملك، فهو يمدح من أجل أن يتحقق ذلك الهدف...

إذا لم تنط بي ضيعة أو ولاية      فقولك يكسوني وفعلك يسلب

والمتنبي كان رجلا بخيلا، وهذا ما يعلل به النقاد كثرة امتداحه، وذات مرة قيل له لم  تمدح الناس وتمدح الكرم وأنت بخيل، فقال كنت في صباي بسوق الكوفة وعندي خمسة دراهم، وجئت إلى بائع بطيخ فقلت له بكم تبيعني هذا البطيخ، قال بثمانية دراهم، قلت ما معي غير خمسة دراهم، قال لا أبيعك، وبينما كنت أساومه مر رجل من الأغنياء فلما مر تعلق به التاجر فقال له عندنا بطيخ جيد من شأنه كذا وكذا ... أريد أن تذهب به هدية إلى عيالك وأعطاه البطيخ قلت يا هذا ما رأيت أحمق منك، أنا أعرض عليك خمسة دراهم وهذا الرجل يمر وأنت تتعلق بأذياله وتستجديه أن يأخذ البطيخ هدية بدون مقابل، فقال ويحك أنت أحمق إن هذا يملك مائة ألف درهم، فمن ذلك الحين أحسست ـ كما يقول المتنبي ـ بأهمية المال عند الناس فمدح المتنبي لكافور ومدحه لسيف الدولة وغير هؤلاء إنما هو وسيلة إلى غاية أعظم وهو أن تكون له مكانة في المجتمع وأن يكون ملكا ...
أبا المسك أرجو منك نصرا على العدى     وآمل عزا يخطب البيض بالدم
ويوما يغيظ الشـــــــــــــامتين وساعة     أقيم الشـــــــــقا فيها مقام التنعم

فهو يبحث عن أمور أكبر، أما شعراؤنا نحن فلا يبحثون إلا عن دريهمات يضعونها في جيوبهم فشتان ما بين التكسب الذي اعتنقه المتنبي ومذهب التكسب الذي اعتنقه شعراؤنا.

لكوارب: ما هو آخر ما أنتجتم من الأدب؟

التقي ولد الشيخ: آخر شعر قلته هو ثلاثة أبيات قلتها للشيخ حمدا ولد التاه في لقاء معه في زاوية الفتح في حفل مقام على شرف أبناء الشيخ أحمدو بنبه وهي:

لله شيخ جـــــــليل قد سمعناه      يقري المسامع لفـظا راق معناه
يحل عقدة فهم السامعين ولا      يحل في القول إسهاب بمغناه
كنا نؤمل أن نلقـــــاه مذ زمن     والحمد لله "حــــمدا" قد لقيناه

لكوارب: لكل شاعر أوأديب قدوة يترسم خطاه ويتأثر به أكثر من غيره، فمن من الشعراء تعتبرونه يستحق هذا المقام بالنسبة لكم؟

التقي ولد الشيخ: يصعب علي أن أذكر لك بالضبط شاعرا معينا لأنني نشأت في بيت أهله يتعاطون الشعر، وكان والدي رحمه الله راوية للشعر عموما وللشعر الموريتاني بشكل خاص، وكنت من خلال حفظه أحفظ عنه شعرا كثيرا لشعراء كثر، وإن كنت تأثرت بأحد فإنني تأثرت بهم جميعا مع أني أكن احتراما خاصا لإنتاج المتنبي والشعراء الجاهلين وخصوصا الصعاليك منهم، كما أني كنت أحفظ أشعار محمدوالنانه ولد المعلى ومحمدو ولد محمدي ومحمد ولد أبن وفي مجال "لغن" حفظت إنتاج أهل هدار وسيد أحمد ولد أحمد ول عيد واغن محمد ولد أبن،
ومن الصعب على أي شاعر أن يحدد بالضبط شاعرا معينا تأثر به دون غيره، ولكن النقاد هم الذين بإمكانهم أن يحددوا أن صاحب هذا الإنتاج قد تأثر أكثر بشاعر ما، لأن أثر الأدب منفصل عن صاحبه وإذا وقع تحت أيدي النقاد فإنهم يتتبعونه فيحكمون بأن صاحبه تأثر في مجال معين بشاعر محدد وفي مجال آخر بشاعر آخر.

ويوجد من الأدباء من يزعم أنه لم يتأثر بأحد وكأن موهبته نزلت من السماء، وأعتقد أن ذلك ليس بصحيح، فالشعر ابن الشعر كما يقول ابن قتيبة، فليس بإمكان شاعر أن يقول الشعر منفصلا عن ما يحفظه من الشعر، فلابد أن يكون هناك تأثر ولكن من يحدد ذلك هم النقاد وحين يقع الإنتاج الأدبي تحت أيديهم فيتعاملون معه، وقد يكون ذلك التعامل في بعض المرات غير صائب، وأتذكر أني كنت ذات مرة في ندوة فأنشدت أبياتا في ذكرى رحيل الشاعر نزار قباني:

يا منشد الشعر في ذكرى ابنه الفاني     هيجت ويحك آلامي وأحزاني
تبكي علــــــــــــيه كما تبكي مطوقة     على الهديل بدمــع منك هتان
ولي نزار وما ولي فقد بقــــــــــــيت     أشعاره رهن أسمـــاع وأذهان
لكنني اليوم في الذكرى تقسمني      ضدان هدا أحاسيسي ووجداني
فأول منهما يثـــــــــني فيمنعني     من البكاء وثان ليـــــــس بالثاني
قدسية الشعر والإلهــــام تأمرني      والهزء بالدين والأخلاق ينهاني
ولو صفا القلب مما قد تقسمه           لكنت أول باك أو أنا الثاني

فوقف أحدهم فقال لي يا أخي لا تحاكم أثرا أديبا، فقلت له أنت أيضا تحاكم أثرا أدبيا.

لكوارب: ماهو البيت الشعري الأقرب إلى ذهنكم؟

التقي ولد الشيخ: كنت دائما أصحب بيتا من الشعر مدة ثم أصحب بيتا آخر، وربما لهذا علاقة بتنزل الشعر على الوقائع وأتمثل كثيرا بقول الشاعر:

يقلب ذو اللب في لبه     مصائبه قبل أن تنزلا

وهذه أمور تأتي عرضا ولا أعرف لماذا.

لكوارب:  هل تتذكرون موقفا طريفا تعرضتم في هذه المدينة؟

التقي ولد الشيخ: لست كثير الإتيان إلى هذه المدينة ولا أتذكر موقفا بعينه مع أن كل المواقف هنا طريفة (يضحك)

لكوارب: في ختام هذا للقاء ما هي الرسالة التي تودون توجيهها إلى جمهور الأدباء؟

التقي ولد الشيخ : الأدب هو المرآة العاكسة لحياة الأمم وهنالك فرق بين الأدب من حيث هو أدب والأدب من حيث هو غاية فنحن نعلم جميعا أن نزار قباني شاعر لا يشق  له غبار، ونعلم أن الحطيئة شاعر لا يشق له غبار كذالك وإن كان ما أخذنا على الحطئية أنه كثير الهجاء ولكننا ننظر إلى موهبته دون أخلاقه فبعض الناس يعيب على الشاعر عدم تمسكه بالأخلاق وهذا لا ينقص موهبة الشاعر ولكنه ينقص الشاعر نفسه.
 فالأمر يتعلق بشخصية الشاعر لا بموهبته...والشاعر قد يكون مبدعا... ولكنه لا يكون ملتزما أو أخلاقيا، وما أريده هنا من الأدباء أن يكونوا صادقين في شعرهم لأنهم إذا لم يصدقوا فيه فإنهم بذلك يساهمون في تمييع الحياة وخداع الناس لينضافوا بذلك إلى الهيئات والسياسيين وغيرهم من المخادعين الذين يلبسون على المجتمع.

ومتى ما وجد الكذب إلى الشعر سبيلا والمخادعة إلى الشاعر طريقا فسمه مخادعا للشعب كذابا عليه.
 وما أكثر فئة الكذابين على الشعب ..بل هم أكثر الناس اليوم.

لكوارب : شكرا لكم.
          

هناك 3 تعليقات:

  1. حد ماه من اهل لكوارب ما ايكد يتكلم عن الادب برغم من احترام لشاعر الاديب التقى

    ردحذف
  2. جدو ولد أعلي27 أبريل 2011 في 2:53 ص

    تصويب

    ألا ليت شعري هل بني همرصـــــمبا وهل حيهم قد جاوروا "لتـــــكشكمبا"
    وهل صمبا الفلان تغدو نساؤهم سراعا إلـى "الصطاره"حاملة "تمبا"

    شعر مولود ولد الجيه الصكيعي وليس امحمد ولد احمد يوره

    ردحذف
  3. هذه القوافي أتت من شاعر لبق وشعره زينة الدنيا لكل تقي
    إذا تكلم فاح العطر وارتسما على محياه مثل النور والفلق
    السلام عليكم أيها الشاعر المخضرم دمت ودام لك المجد... أهديك البيتين أعلاه وأعتذر إليك عن رداءة التعبير وضعف اللغة

    ردحذف