26‏/07‏/2011

صور من المعبر

اليوم الثالث عشر يوليو وهو يوم الجمعة ويصادف كذلك اليوم الذي قبل ذكرى الثورة الفرنسية، ربما يبرر ذلك كله ضعف إقبال المسافرين خصوصا من الضفة اليسرى، ولأنه أول أيام العطلة في موريتانيا التي تمتد خمسة أيام . . الصور اليوم هي ذاتها في الأيام الماضية ..

فقط يكسب تكرارها نوعا من الجدة والطرافة غير المعهودين بفضل التقنيات المستخدمة في كل مرة ..

المعبر لمن لا يعرفه هو معبر المشاة وقد بني منذ ما يزيد علي العامين وذلك لتخفيف الضغط علي نقطة العبور القديمة أو لتسهيل أخذ الإتاوات على المسافرين والبضائع أو الاثنين معا، المهم أنه يتكون من قطعتين مبنيتين من الإسمنت المسلح يفصل بينهما جدار، خصصت إحداهما للذهاب بينما أعدت الثانية للدخول، لكن ذلك ليس محترما دائما إذ كثيرا ما يمر القادمون من باب الخروج، ويخرج الداخلون من باب الدخول تبعا لمزاج الشرطة والجمارك.

القطعتان مزودتان بمكاتب صغيرة أعدت للتأشرة والتفتيش، ولكن أيا من هذه المكاتب قلما تجد به موظفين والسبب أن العمل يتم في الخارج  أمام أو خلف المكاتب أو حتى عند الدكاكين المجاورة، فلكل طابعه الخاص يؤشر به متى شاء وأنى شاء وكيف شاء ، كما أنه لا سعر محدد للتأشرة أصلا فالأمر يخضع لعاملي التفاهم والتوقيت ، فتأشرة أول النهار ليست بنفس ثمن التأشرة آخره، أما الفع فيتم بأية عملة معروفة ورقا كانت أو نحاسا أو حتى "القيمة".

المهم أن المعبر خلية نحل فكل يعمل ولكن لحسابه فقط باستثناء عمال شركة المعديات الذين لديهم أوصال يحتفظون بجزء منها إذ عليه سيكون الحساب معهم من طرف الشركة في المساء، لكن هؤلاء أيضا (لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون)، فقد يقومون بقطع وصل مرتفع الثمن ومعد للمتاع لعابر لا يحمل إلا همه، والسعر مختلف طبعا، كما يقومون بتهريب البضائع من المعبر في عمل يحصلون منه دخلا يوميا معتبرا.

اليوم السبت الرابع عشر يوليو
...لم يسجل اكتظاظ في المعبر هذا الصباح بل بقيت الحركة عادية، الجديد ـ القديم ـ هو موجة من الشجار بين اثنين من أكابر مجرمي المعبر، طبعا الشجار عادي في مثل ظروف يوم قليل الحركة، خصوصا بين اللصوص وبينهم مع الشرطة والجمارك وحتى محصلي الإتاوات.

اللصوص ـ هنا ـ حمالون ويمارسون دور التعدية للبضائع إلى النهر وعلى أعين الجمارك في اتفاق عرفي بين الاثنين يتنازل ـ بموجبه ـ الجمارك عن السيادة الوطنية في حين يتنازل اللصوص عن بعض الدريهمات مما يأخذونه من العابرين لصالح الجمارك.

الشجار انتهى من دون غالب ولا مغلوب ــ في جولته الأولى ــ على الأقل وكان على أعين الشرطة واستمال الكثير من عمال المحلات المجاورة وحتى المارة، وعندما استغرب أحدهم عدم تدخل الشرطة لفك الاشتباك رد عليه آخر أن ذلك ما لن يقع نظرا لعدم وجود نقود ستجنى من التدخل ، وبعد وقت من تدخل الحاضرين بدا أن جهود الوساطة آتت أكلها وتم سحب المظاهر المسلحة من الشارع وعلق أحد "الوكافة": الحمد لله، لقد انتهت المعركة، لكن زميله خالفه الرأي عازيا توقف اللكمات إلى سماع الجميع صوت العبارة مقبلة من الضفة اليسرى فأزف رحيل الجميع عل أن ينتهبوا من مقبل الوافدين شيئا .

الشجار لا يتوقف عند اللصوص فقط بل إن الجميع يتشاجر مع الجميع إن صح هذا التعبير، ومن الشجار الدائم حادثة طريفة وقعت بحضور الأخ الكريم والأديب المفلق : التقي ولد الشيخ، ومن الإسفاف التعليق عليها مع أبيات شاعرنا فللقارئ الكريم نترك متعة التمتع بنكهة الأدب الواقعي والتصوير الجميل لحيثيات المعركة دون النزول إلى القاع في اللغة مع المتشاجرين:

    كنا مع ابن الخيرعند المعبر          وهو لتحضير الغداء ينبري
   في وقت راحة لأهل الباك             من ذي بديلة وذي عنباك
   إذ قرع الباب علينا قرعا               واستنت الفصلان حتى القرعا
   واجتمع الباعة والحماله               والكل يعجب  لما  بدا له
   معركة حامية الوطيس                يطبعها تراشق بالطيس
   بين فتاة وفتى من الزنوج            ..............................
  وكادت الفتاة تردي الزنجي            بلكمات ليس منها   منج
  لكنه رد على التحدي                   مبديا استماتة في الرد
ولم تزل تيلكم الحزقه                   تضطره لأضيق الأزقه
واشتبكا بأحد المداخل                  فبان في الشجار ثوب داخلي
وفاز كل منهما بما اشتهى            وكل شيء بلغ الحد انتهى
وقيل إن سبب المنازله               بين الفتاة والفتى مغازله   

... الحديث الآن سيتوسع ليشمل التعريف بملحقات المعبر الأخرى إذ ليس هو وحده الطريق لتعدية البضائع إلى الضفة اليسرى بل إنما امتنع الجمارك عن السماح له بالمرور مضمون مروره بفضل التقنيات المتطورة التي يعرفها أهل الفن.

 فالجدار العازل الذي يمتد بمحاذاة المدينة مع النهر يشكل معبرا آخر وأنسب أيضا خاصة أوقات الزحام وساعات الصباح الأولى وفي الليل، كما أن سوق المعبر لديها سلالم تطل على نهاية الجدار ومن ثم مرسى للزوارق داخل النباتات التي نمت جانب النهر، كما أنه في الجدار نفسه توجد ثغرات يعرفها المتمرسون، الدور الخربة قرب الجدار والتي أريد لها أن تبقى كذلك عدة عقود من الزمن تلعب دور المخازن للبضائع قبل أن تعبر الجدار في غفلة من الجمارك والشرطة الذين لا يبدون بتلك الدرجة من اليقظة، إذ أن الجمارك المزودين بسيارات ذات دفع رباعي وبعدد كاف ــ فيما يبدو ــ من الرجال لا تهمهم البضاعة المهربة إلا بعد دخولها السوق حيث يبدؤون لعبة مطاردة الرمية وترك الرامي الذي غالبا ما يكون طفلا أو امرأة، وتنتهي المطاردة التي تجوب أزقة وشوارع السوق بأن يرمي المستهدف البضاعة ويسلم بنفسه فعند عتبة أول دكان تنتهي صلاحية جماركنا الموقرين

الأستاذ عبد الله السالم ولد الخير
مستشار تربوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق