أشهر الساقطين: إخوة جميل ورفاق بيرام"2"

الأستاذ الشيخ ولد لحبيب

لا يبدو الرئيس الجنرال عزيز كلاعب في دوري صعب، يبدو كأن الموسم لم يكن جيدا في بداياته بالنسبة له، لذا بات من العاجل أن يتخذ خطوات مهمة تبقيه في الدرجة الأولى، وتجعله يسقط نهائيا كل الأعداء" المعارضة".

لقد قررت الدولة الموريتانية القيام بمسح طبوغرافي" وليس زلزالي ولله الحمد"، للبحث عن جثث وقبور كل الذين تم قتلهم بطريقة غير قانونية
.

وبغض النظر عن ضبابية هذا القرار، وصعوبة تنفيذه علميا وتكنولوجيا، فإن ما سنركز عليه هو سهولة تكييفه سياسيا، لتكتشف سلطة الرئيس الجنرال " بقدرة قادر"، قبور ضحايا " اينال" من الزنوج، ولتحتفي بهم على طريقتها، ولتسبق خصومها لذلك، عندئذ قد نشاهد مسرحية دون اضواء ملونة،تهدف إلى الاستحواذ التام على أصوات الناخبين الزنوج، وإسقاط كل دعاية سياسية أو حقوقية قد تحرم النظام الحاكم من ذلك.

سيشبه الأمر عندئذ تمشيطا أوليا بزخات رصاص افتراضي، يطال مباشرة محاولة بيرام ورفاقه لإستغلال قضية القتلى الزنوج لصالحهم.

غير أن بيرام ورفاقه" ربما لأنهم انتهازيون"، فهموا بسرعة ذلك التخطيط الاستراتيجي الذي يعتزمه الرئيس الجنرال عزيز، فقرروا أن يناشدوا المجتمع الدولي" .. الاهتمام والنظر في قضية اينال"، هي  اذا دعوة لدعمهم في تلك المطالبات السياسية ذات الثوب السياسي المزركش ، إنه أسلوب يذكرنا بمناشدات الساموري ولد بي  الشهيرة للأمم المتحدة، بالتدخل في موريتانيا لحماية " لحراطين"، وإعادة حقوقهم المسلوبة إليهم.

لماذا دائما يبرز المجتمع الدولي وتدخلاته كلما ضاقت الحلقة، وكلما شعر اولئك أنهم تحولوا إلى جرذان" عفوا....تلك العبارة تسربت إلي من خطابات القذافي"؟؟؟؟.

التفسير الأول البسيط هو أنهم كما ذكرنا في الجزء الأول " شرذمة قليلون"، أما التفسير الأعمق والأكثر أهمية هو أن الرئيس الجنرال نجح في بداية موسمه الحالي، في إجتذاب أكثر الشخصيات تأثيرا وشعبية في أوساط شريحة " لحراطين"، مثل الرئيس مسعود ولد بلخير، والوزير محمد ولد ابيليل، ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي محمد ولد الحيمر، والاستاذ اسغير ولد امبارك و....، ويمكن ايضا تخيل ما قد يفعله الرئيس الجنرال  بالأموال المرصودة لمكافحة آثار الرق، والتى أصبح تسييرها في يد مؤسسة الرئاسة، ق نشهد اذا ضخ اموال في مشاريع لصالح ادواب، وقد نشهد اعانات عاجلة، وقد نشهد هبات مباشرة ووو...وكل أصناف التدخلات التى تعزف على وتر الفاقة والفقر، وتلبي حاجات ظرفية عاجلة، وتكسب أصواتا انتخابية جاهزة.

لقد أسقط الرئيس الجنرال عزيز بيرام ورفاقه ،في فخ الاختيار بين اللجوء لإستغلال قضية الزنوج للبقاء في اللعبة، أو طلب الدعم الخارجي المرفوض غريزيا لدى الغالبية من الشعب.

لكن القنبلة الحقيقية المدمرة التى ستعصف بالمعارضة، هي فيما يبدو من معطيات اللعبة القذرة، تتجه إلى الأطراف لإسقاطها أولا، قبل أن يخلو للرئيس الجنرال الملعب مع القوة الغالبة في المعارضة، ممثلة في تكتل القوى الديمقراطية، ورئيسه الارستقراطي الكهل، والذي أدمن فن الخسارة كلما بقي في الملعب.

2للسياسي...لا للديني

يراقب الرئيس الجنرال بصبر القناص، تموقع إخوة جميل، يراهم وقد أصبحوا بين " جنة" حكمه التى لايظن أن تبيد أبدا، وبين " نار" منسقية المعارضة التى يرون أنهم لن يحظوا فيها، بتمثيل مناسب، يتجاوز نسبتهم التى حصلوا عليها في الانتخابات الرئاسية الماضية، وليس من المؤكد ما إذا كان الرئيس الجنرال يراهن على " تراجع تكتيكي" قد يقوم به إخوة جميل في إتجاه العودة لمعسكره، عندما تحتدم المعركة، ويتبين لهم كيف يمكن أن تفعل بهم المعارضة، وعندما " يضربوا" لبعضهم الأمثال.

لكن المؤكد أن الرئيس الجنرال عزيز، يعلم جيدا ما يعلمه أي مراقب عادي مثلي أنا، وذلك أن تيار " إخوة جميل" الإسلامي، يفقد بشكل تدريجي ذلك الزخم، الذي إكتسبته حركة الاخوان المسلمين، في أواخر أيام نظام الرئيس العقيد ولد الطايع، والذي تولد من عاطفة جياشة صادرة من الموريتانيين بلا استثناء، بعد اعتقال الأئمة والعلماء ورجال الدين.

هنا علينا أن نتوقف بشكل صارم ومتأن، ذلك أننا نتوقف في مواجهة الدين، أو بالأحرى في مواجهة أحلام الناس في إستخدام الإسلام كناظم لحياتهم، نتوقف في مواجهة الإسلام كمحدد وحيد للهوية الجماعية الموريتانية.

يقول إخوة جميل إن حزبهم" تواصل" ليس حزبا للإخوان المسلمين وحدهم، ويقول الاخوان المسلمون بشكل عام " وكان آخر ذلك ما قاله مرشح الرئاسة في مصر الإخواني البارز عبد المنعم أبو الفتوح"أنهم يفصلون بين الدعوي الديني وبين السياسي.

لا شك إذا أنهم جاهزون لمواجهة أحلام وآمال الناس، المتعطشين لأن يجدوا نهجا يجعلهم يعملون لدنياهم كأنهم يعيشون أبدا، ويعملون لآخرتهم كأنهم يموتون غدا.

هنا سنحكي عن عينات قليلة من إرتباطات الدعوي ، بالسياسي، بالاقتصادي، بالاجتماعي،.....، كل ذلك في صيرورة واقع الناس اليومي، وسنعرف عندئذ إلى أي حد يصبح إخوة جميل خارج الواقع، وساقطين تائهين في بيداء الوهم السياسي البرغماتي.

أولا:

تمضي " امبيريكة" باحثة بجد عن شويهات قليلة صلت عليها، لا تستطيع امبيريكة التى تشرف على تسيير حياة كاملة لثلاث بنات وطفلين أحدهما رضيع، أن تؤمن ثمن شراء الحليب يوميا من عند متجر الحي، لذا فإن شويهات الماعز كن يشكلن مصدر دعم إضافي، لدخلها الضئيل من خدمة البيوت، تمضي امبيريكة أغلب وقتها باحثة عن ضالتها، ثم تضطر للعودة إلى مكان عملها، وفي يوم عطلتها "الجمعة"، تقرر رفقة والدتها، أن تلجأ للدين، الذي تراه ممثلا في " شيخ ولي قادر على كشف المستور، وهو بالمناسبة مشهور جدا في انواكشوط"،تريد أمبيريكة أن تعرف من سرق ماشيتها، وتريدها أن تعود.

ربما لا تدري أمبيريكة أن ثمة معاني أكثر إشراقا، وأكثر صدقا لذلك الدين الذي تلجأ لمن تعتقد أنه يمثله؟؟؟.

هل تتحمل امبيريكة وزر جهلها لتلك المعادلة المحكمة، التى يضعها الإسلام بين الحياة في الواقع وتغييره، وبين أن يصبح ذلك في المحصلة تعبدا لله؟؟؟.

ثانيا:

يقرر صديقي، بل واحد من أفضل أصدقائي " عبد الله وار"أن يلتحق بجماعة الاخوان أيام إضراب 1997 في الجامعة،كان " آبو" شابا بولاريا من أسرة عريقة ومعروفة في ولاية لبراكنة ، وفي ألاك تحديدا،كانت الأسرة متدينة ، لذا فقد نشأ الفتى متدينا، وباحثا  في عمق الإسلام العظيم، عن حل لمشاكله مع النظام السياسي الحاكم آنذاك، لقد فقد " آبو" عمه وخاله على ما أذكر في فتنة 1989 وما تلاها من تطهير إتخذ شكلا عنصريا بغيضا، ثم هجر بعض أقاربه إلى الضفة السنغالية من النهر الجنوبي، وفي سنة 2000 كما أتذكر، إتصل بي " آبو" ليفاجئني أنه قد حصل على تأشيرة للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بدا كأنه يعيش حلما جميلا، قال لي: بعد معاناة طويلة، وبمجرد أن أعلمني الموظف المختص أني حصلت على التأشيرة، طفرت الدموع من عيني ودون سابق إنذار،....أردت أن أسأله عن جماعة الإخوان التي كان ينتمى لها، وهل استبدل الحلم الأمريكي، برغبة تغيير الواقع السياسي عن طريق النموذج الاخواني؟؟...بدأ " آبو" يحكي لي عن رحلته الطويلة مع الاحباط، مع انكسار النموذج، مع الخيانة والألم....، تأكدت عندها أنه أدرك أن الاخوان" لايمثلون له ذلك الخلاص، والحل الإسلامي الذي ينشده، وأنه مادام الكل يتعامل من منطلق سياسي بحت وبراغماتي انتهازي، فعليه هو أن يكون أولى بنفسه: سيتدين ويمارس الحياة انطلاقا من معرفته بقواعد الشريعة الإسلامية، وإذا استعصت عليه سأل أهل الذكر.

ثالثا:

هو أخي الأصغر، في سن المراهقة، التحق بالجماعة في إعداديته، بدا متحمسا ومندفعا آنذاك، كان يعتبر دفاعه عنهم وعمله لهم عملا ودفاعا عن الإسلام بذاته، هكذا ببساطة؟؟؟.....فجأة إذا به يحدثني بنوع من الإحباط والغضب: كيف أنه يفضل أستاذته للغة الانجليزية " الأمريكية "، على أستاذ التربية الإسلامية،قال لي إن الأستاذة الأمريكية أكثر إنسانية ورحمة وتحضرا في تعاملاتها وعلاقاتها معهم ،بعكس الأستاذ المسلم المدرس لمادة عظيمة حقا.

ثم بعد ذلك فاجأني هذه السنة تحديدا، بأن قال دون أن اسأله: لقد آثرت اليوم أن اهتم بدراستي، إنهم " يعني إخوة جميل وحزبهم"، يريدون أن يسيرونا كما يشاءون هم، ووفق رؤيتهم، ولا يسمحوا لنا بالنقاش، ويقولون إن ذلك يخالف مفهوم الطاعة الملزمة.

من الواضح أن الفتى يبحث عن ذلك النموذج الإسلامي المتجسد واقعا، من الواضح أنه يدرك أهمية أن يمتزج الدعوي بالسياسي لينتجا نموذجا كريم الأخلاق، نموذجا يحتذي ويتبع طواعية ودون أن يحتاج للدعوة لنفسه.

لقد فهم هابرماس " أشهر فلاسفة مدرسة افرانكفورت الاجتماعية المعاصرين"، ضرورة وحيوية المزج بين الدعوي والسياسي للوصول لذلك النموذج الاجتماعي المغير، وقد قال الفيلسوف الألماني الذي عارض ودحض الحجج الأخلاقية للدين طيلة 50 عاما، في سنة 2007 بعد لقاء جمعه مع بابا الفاتيكان الحالي:" ...الكنيسة المؤسسة النهائية للحرية والعدالة  والديمقراطية، وكل شي ء ما عدا ذلك هو هرطقة ما بعد الحداثة".

أفلا وسعكم أيها " الإخوان المسلمون" أفضل مما وسع هابرماس؟ أفلا تعقلون؟ أفلا تبصرون؟.

يرى المراقبون أن صعود السلفية العلمية ومشا ئخها، واستعدادهم الطارئ لدخول المعترك السياسي، بعد الثورات التونسية والمصرية، قد يكون هو الحل لسقوط " الإخوان" في فخ الحداثة والتطور والعقلانية الذي غرهم بأقانيمه، وبغض النظر عن صحة ذلك التوقع من عدمه، فإننا نحن البسطاء الذين يسيرون بين صحراء هذه البلاد وبحرها، قد نهتف ذات يوم ضد كل آليات اللعبة السياسية الحالية، وضد كل فاعليها، تماما كما يفعل اليوم عشرات الآلاف من الإسبان في ساحات مدريد ونظيراتها، سوف نهتف عندئذ ضد سياج الأكاذيب " التشرشلية نسبة لونستون تشرشل"، التى تحاط بها حقيقة اللعبة القذرة التى تدور في أرضنا، والتى تستغل حاجة الإنسان وفئته وقبليته، و فئو يته، لتجعله دوما بعيدا عن الاختيار الحر، وتجعله دوما أبرز الساقطين.

الأستاذ الشيخ ولدلحبيب

Pechike@gmail.com