لئن كان غرض المدح قد نال نصيب الأسد من الشعر السنغالي لمحمد ولد أبن ولد احميدا فإن الغزل كان حاضرا هو الآخر في هذا الشعر, إما على شكل مقدمات غزلية لقصائد مدح، أو في مقطعات غزلية صرفة, ومن الأخير قوله في سنغالية تدعى "سكينة فارا":
سبت قلبي المليحة بنت "فارا" ففاض الدمع من عيني وفارا فجـئت الـــدار مختفيــــا فلـــما رأت شغفــي بها نفرت نفارا فأمسكت الإزار يـــدي فقـــالت ألم تــك ويك مختشيا صـفارا |
والأبيات الثلاثة من مساجلة دارت بين الشاعر وبين المختار ولد حامد حول"سكينة فارا" المذكورة في الأبيات, وهي فتاة سنغالية محبة للشعر, كانت تتعمد المنافسة حولها بين الشعراء الوافدين إليها, وقد رد المختار ولد حامد على أبيات الشاعر بقوله:
لنعـــم البيـــت بيت آل فــــــارا فقد أتوا السكينة والوقــــارا "خديجة فال"زوجة "فارسك" وفـــارته سكينة حيث فـــارا أود بـــدار"فار" بـــدار أمـــر وكـل فتـــى يـــود لها بدارا وليــس يصــح ذلك دون فـــرو وليس يصح فرو دون "فارا" |
أقسمت بالله ما لحظ الفتاة "كرو" مهما ترقرق إلا فارس ذكر تسبي الحليم إذا غنت أو ابتسمت وليس ينفع فيما قدر الحذر |
وذات يوم لامته إحدى المعجبات به على علاقته بالسنغاليين "وليمة لوم" و"رحمة" فأبدى انزعاجه من ذلك على أنه لا يود بحال أن تلومه على لقاء الثانية فأنشد:
"وليمة لوم" لمت على لقاهـــا وإنـــي فيـه لم أك بالملــــوم وفي لقياي"رحمة" رمت لومي فقلبي من ملامــك ذو كلـــوم فبعض اللوم عـــاذلــــتي فإمــــا يكون الرأي عندك أن تلـومي فـ"رحمة"لا تلـــوميني عليـــها ولكن في "وليمةلوم"لـومي |
وله في مقدمة لإحدى قصائده المدحية وقد نظمها في مدينة "تياس" وهو يلعب مع بعض رفقائه لعبة "اصرند" الشعبية:
هاج ادكاري شادن بـ"دكار" يختال بالآصال والإبـــكار |
................................ .....................
يفتر عن كالأقحوان مؤشرا شيطت منابتــــه بلون القـــار وإذا يحاول أن ينوء يصده كفل كمركوم الكثيب الهاري كم ليلة بالدار قد غازلتــــه ورقيبه بالدار ليس بــــدار... |
ــ مساجلات
لم نعثر خلال بحثنا في الشعر السنغالي لولد أبن على مساجلة شعرية محضة ومباشرة جمعت بينه وبين أحد السنغاليين, لذا سنقتصر هنا على سجال جمع بين الشاعر ومجموعة من الأدباء في دار ولد أبن المقداد بمدينة "سان لويس", وكان الأخير هو من استهل هذا السجال بـ"كاف شور" قبل أن ينحرف المجلس من مساره الفني إلى معركة جانبية دارت بين الشاعر وأحد جلساء ولد أبن المقداد.
وتروي الحكايات المتداولة أن أول إطلالة لشاعرنا في هذه الدار كانت يوم قدم إليها صحبة أحد أصدقائه, وهو إذ ذاك فتى حدث السن لا يُعرف له ذكر في الأوساط الأدبية العامة, وكان ولد أبن المقداد في تلك اللحظة مستلقيا على أرجوحة وضعت له في صالونه ومعه مجموعة من الأدباء من بينهم شماد ولد أحمد يوره والولي ولد الشيخ يبـه والوالد ولد القطب, ومعهم الفنان امحمد ولد انكذي المعروف بـ"لعور" يغني "شورا" يسمى "دزيت امبر".
فقال ولد ابن المقداد:
امبر ال كـال المجاد بُصلع بُخزر من زر
ذاكُ كيف امبر إلعاد ال لاه ينكــال امبـر
وقال شماد:
الناس ال كالت باجنـــاس عنك تكدر تحامر فر
ذاك الا كول الناس الناس اتمَش لكوارب فالبر
وقال الوالد:
امخممن فامر الحيــات عودان نافد كد اشبر
والا نكبر والطافــــلات كـذكـذ وحــد تكبــــر
فقال ولد أبن ولم يكن معروفا:
شاعر فالهول امعاك اتل إعـود افــزر أعدت افــزر
ذاك الزر امن الهول اخل أذاك الزر امن الهول اعمر
فقام ولد ابن المقداد عن أرجوحته وهو يردد "ذاك كاف" فيضيف شماد نعم "ذاك كاف", وهنا تدخل الأديب الولي ولد الشيخ يبـه لتتحول المداخلات من "كفان شور" إلى مساجلة, فقال:
حد امكاطعن كاطعن لمكاطعن كطاع اجدر
ما يكدر حد إكاطعــن أبــد مـايكدر مـايكدر
فأجابه ولد أبن:
باعدت الشلات أذ فات من عند اجدر لجدر لجدر
واكد اتباعيـد الشـلات يصلح واكـد افطن يخسر
فلم يجبه الولي, فأضاف ولد أبن:
نعرف لغن كنت ابلملاس مانكبر عنو ما نسغر
اكللت انـدور انغـر الناس كلت لغن للناس اتـغر
ــ طرائــف
لم تخل فترة مقام شاعرنا في "السنغال" من قصص أدبية طريفة دونها هناك في شعره الهزلي الظريف، من ذلك أرجوزته التي نظم بها قصته مع "آت" الملقب "به" في مدينة "تياس" حيث كان الشاعر تاجرا فيها، أما "آت" فكان يبيع لبن الحليب والرائب, وكان يغش في تجارته فيخلط اللبن بالماء، وكان الشاعر يشتريه منه مقابل الاستدانة, وهذا ما يحذر منه في هذه الأرجوزة:
لم يور في"كيص"شبه لذا الفضــيل "آت بــه" لكنمـــــــــا بقيـــره إن راء بحــرا شـــــربه إن تلق"بلا" حاملا "ميوا"وفيه"صنت"به" لا تقربن "ميــوه" ودينــــه لا تقربـــه إنــك إن حملتــــــه دينا جلبت هربــــه لكـن "آت" سيـــد والرسل مهما جلبه لجـــوده وطيبــــه وحبــه من صحبـه يجعل فيه الماء كي يضــر خلا شربــه |
ومن شعره الهزلي قوله يصف "شايا" قد اشتري من سنغالي يدعى "موسى سي":
هذا الأتاي رقيق اللــون في الكـــــاس يشفــــي القلـــوب بتطــــريب وإينـــــــاس يعلو على الشاي ليس الشاي يشبهه لو لم يكن مشترى من عند "موسى سي" |
وجاء يوما إلى الشيخ المصطفي ولد الشيخ أحمدو بمبه السنغالي صحبة أحد رفاقه وهو الذي نظم هذه القطعة على لسانه مخاطبا الشيخ ــ تظرفا وتفكها ــ بأنهما لا يطلبان إلا "جاف" وهي باللهجة الأولفية تعني الفول السوداني المقلي المملح ... إلخ ما ذكر في القطعة :
أيا شيخ الشيوخ بلا خلاف ويا شيخ التـــدارك والتـــلافي أتينا زائرين نريــــد "جافا" ولسنا زائـــرين لـــغير"جاف" فإن كانت لـكم لمم حســان فـــإن لنا كخافيـــــــة الغـــداف وإن كنتم بحسن الصوت فزتم فإن لنا ألـــذ من الســــــــلاف وإن كانت نواجذكم حــدادا فإن لنا أحد من الإشــــــــــاف وإن قدر الأثافي قد لقمــتم لقمنا ما يجــل عن الأثــــــافي وإن كان الغناء إليك يهدى أتيت "بطلعتين"لكم "وكاف" |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق