حتى لايغرق المجتمع

الأستاذ محمدن ولد حمنيه (لكوارب ــ أرشيف)

أباح الله سبحانه وتعالى تعدد الزوجات حفظا لدينه وصونا لأعراض الأمة، وجعله آلية من آليات تكثير سواد المسلمين، لذلك منحنا الحرية الكاملة في الجمع بين أربع "وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" وربط ذلك بقدرتنا على العدل  بين هذه الزوجات، "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة"، لكن إن كان الواحد منا يجد في نفسه قدرة على الجمع والعدل فالأفضل له أن يجمع وبعدل حرصا على تلبية مطلبه صلى الله عليه وسلم " تنا كحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة".

والمجتمع الموريتاني اليوم على علم تام ودراية كاملة بهذه النصوص لكنه يلوكها ثم يلفظها، أما أن يتمسك بها ويعمل بمقتضاها فالأمر ضرب من المحال، أنا أشفيق على هذا المجتمع الطيب من أمور كهذه قد تجر له الهلاك والثبور في المستقبل المنظور، ورغم أن المجتمع الموريتاني عريق في قيمه أصيل في نظمه ومنظومته الاجتماعية والأخلاقية ولاغرو  فمصدر هذه النظم شريعة الإسلام الخالدة.

ورغم أن كل موريتاني يرى في النظام الاجتماعي الإسلامي طوق نجاة يتشبث به، إلا أن منظومة القيم الاجتماعية في موريتانيا اضطربت وعتلت للحد الذي أسقطها في بوتقة التقاليد الخارجة عن المرسوم منه صلى الله عليه وسلم والعهود الفاضلة المزكاة بعده صلى الله عليه وسشلم فأشرف بها على مهاوي الردى.

مواضيع الاعتلال تكاد تقتصر في منظومتنا الاجتماعية على قضايا الأسرة وما يتعلق بها تصوروا معي  مثلا أن رجلا تزوج امرأة ومنحها حقوقها الشرعية كاملة بلا حيف أو تطفيف، خاف العنت على نفسه لبعده عنها أو بعدها عنه في المسافة ـ طبعا ـ وتزوج أخرى فإن المجتمع في هذه لا يرحمه وإن وصلت القضية إلى أهلها فالأمر ذنب لا يغفر وجرم يستحق العقوبة، بل وربما تكلم الناس في عرضه وتجرأ أهلها عليه بدعوى أن بعض شروط العقد تمنحهم ذلك الحق ولا يعدو الأمر  كذبا للتغطية على الواقع الشرعي  البائس لهذه الأسرة الخارجة عن أمر الله تعالى في هذه القضية، قد ينعق ناعق فيقول لهم الحق في ذلك لأن أمرا كهذا في عرفنا الاجتماعي حرابة يستحق مقترفها القطع من خلاف، إلى هنا والأمر لايعدو اضطرابا وتخبطا في العرف الاجتماعي، لكن الخطر كل الخطر في سكوت المجتمع وتغاضيه عن منكر لا مراء فيه ولا جدل، إذ لو عدل صاحبنا عن الزواج بأخرى، ومال لإشباع رغبته الجنسية بربطه العلاقة ببغي توفرله مطلبه، أو زانية تمنحه مقصده مقابل مال كان أهله أو أهلها أحق به، هنا لا يحرك ساكن لأن الأمر لا يزيد على أنه تعد لحدود الله  وذلك في العرف الاجتماعي أمر فيه نظر،ذلك أن المجتمع انقلبت موازينه وقيمه وأخرجته الشياطين عن طوره  ومن رشده، فاستقبح الحسن واستحسن القبيح وسكت عن الشيطان الغارق في مستنقع الأوحال والمعصية، وكأن ما يفعله أمر لا ضير فيه تتصامم  الزوجة لأن ذك الشيطان منحهم التقدير و الاحترام وحفظ كرامتهم وكأن كرامتهم وعلو شأنهم متعلقان بغضب الله وسخطه، أما المتزوج خوفا على نفسه من النار فيسخطه هؤلاء ويقاطعونه ثم ينتزعون منه زوجته انتزاعا أحب ذلك أمكرهه فإن حاولا الاحتفاظ بزوجته وتنازل عن بعض حقوقه هب الأخ وكأن في معركة فاصلة يعلو فيها الحق ويزهق الباطل وتأخذه الشجاعة والحمية فيصول ويجول كي يقال لم  يقبل بالإهانة ولم ينازل عن عرضه وقاتل لتنال أخته حرمتها، ولايقبل الأب من الابن شأنا فيهذه القضية فيستجمع قواه إن كانت له قوى ويظهر شخصيته ان لم يكن عديمها، أم الأم فهي الآمر الناهي ولا معقب لأوامرها  حيث يكون الأب دمية في يدها تقلبها ذات اليمين وذات الشمال حتى إذا انتصر هؤلاء في حربهم وطلق الزوج زوجته مكرها وقبلت الزوجة بالأمر مرغمة علا الصياح والضجيج ودقت الطبول وساد الهرج والمرج وسمعت هتافات التشجيع بين الفينة والأخرى وكأن القدس تحرر والأقصى أصبح في قبضة المسلمين، أما أن يستنكر المجتمع الأمر ويسدي النصح لهؤلاء الخارجين فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويذكرهم بيوم عظيم لاينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم فالأمر مستبعد، فيا لغرابة ماوصلت إليه القيم في مجتمعنا، فمجتمعنا في هذه القضايا أساسا يرضي صنما يغضب الله ويغضب حينما يرضى الله وكأن الصلة بين الله والمجتمع في هذا العرف الاجتماعي مبتوتة لا وجود لها أصلا.

وهنا أطلقها صيحة مدوية ، وصرخة لعل ضمير حي وعقل مؤمن يعي  إياكم والتهاون بأمر الله في مثل هذه القضايا الويل لقيمهم وأعرافهم الاجماعية الحقيرة التافهة المنافية لرضى الله المستثيرة لغضبه، إتقوا الله في بناتكم واتركوهن لشأنهن إن ردن التمسك بأزواجهن حتى ولوتزوجوا عليهن ولا تعضلوهن إن تمسكن بأزواجهن، وإلا فأعدوا العدة لسؤال غدا بين يدي الله، فاتقوا الله وعودوا إلى شريعة نبيكم عسى الله أن يتوب عليكم ويكفر عنكم سيآتكم، وإلا فإنكم هالكون إذ تغرقون وأنتم لا تشعرون.

الأستاذ محمدن ولد حمنيه

إعدادية روصو2