12‏/04‏/2011

مسالخ روصو .. عندما يغيب الرقيب


سلاخ ومسلوخة (تصوير لكوارب)
لا يختلف اثنان  حول مدى الأهمية التي يوليها الموريتانيون في عاداتهم الغذائية للحوم الحمراء، ويستوي في ذلك الغني والفقير، لأن الكل مطالب بالبحث عن اللحم بغض النظر عن حالته المادية وعن يسره وعسره، وتتأكد أهمية هذه المادة في الأفراح والأتراح.
ولا يختلف اثنان كذلك على المخاطر التي قد تصيب الإنسان جراء استعماله للحوم المريضة أو المصابة، مما قد يعرض حياته للخطر.
وهنا في مدينة روصو يزداد هاجس الخوف وترتفع نسبته لتصل معدلات قياسية بسبب هشاشة الرقابة الصحية أو انعدامها في أغلب الأحيان على المسالخ العامة.
وتزداد الخطورة أكثر عندما تمتزج العبثية بانعدام المسؤولية فتصبح الأمور تدار من وراء الستار من طرف أشخاص يمتهنون الغش والخديعة ويفتقرون إلى أدنى وازع ديني أو أخلاقي، ويسعون فقط إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، ولو على حساب المستهلك المسكين، و خير شاهد على ذلك  الإسهالات الحادة التي تنتشر من حين لآخر في أوساط ساكنة روصو .
هنا تراودك القصص المروعة المخيفة بل والمقززة التي تسمعها بين الفينة والأخرى من هذا الشخص أو ذاك، فتجعلك أكثر إحباطا وتمضي بمعنوياتك إلى أخفض المستويات، فترغمك على تجنب كل ما يمت إلى هذه اللحوم بصلة.

لحوم تفتقر إلى أدنى الظروف الصحية ...

في السوق المركزي لمدينة روصو كما في أطراف المدينة تناثرت طاولات عجزت عوامل التعرية عن التأثير فيها رغم قدمها، فلم تتغير منذ عشرات السنين "فقد ألفتها كما ألفها غيري" يقول أحد سكان المدينة، كست الشحوم والدماء هذه الطاولات حلة من الأوساخ التي تكدست عليها فاعتلى الذباب سطحها، واتخذتها القطط والكلاب مزارا ومنتزها ليليا تصول فيه وتجول حتى مطلع الفجر تاركة المتسع لجزارين ألفوا الخداع وتفننوا في أساليب الكذب ليدفعوا بما لديهم من غث وسمين اللحم في عملية فوضوية يكمل تطفيف الميزان من عبثيتها، وسط غياب كامل لجهة الرقابة المشرفة إلا عن ما يدره عليها ذلك من دخل لن يزداد إلا بازدياد المخالفة.

البيطرة الغائب الحاضر ...

وصلت المدونة في وقت باكر إلى المسلخة، فكان مما فاجأنا تلك الأبقار التي اختلط غثها بسمينها، وهي عادة اعتادها هؤلاء منذ زمن ليس بالقريب، فعندما يغيب الرقيب يكون كل شي ء جائزا حسب قاموس السلاخة ومن بعث بهم إلى هذه المنطقة النائية الواقعة بمحاذاة النهر، حيث تسكنها الكلاب ويعبر منها المهربون والمهاجرون السريون ورجال الليل ...
التقت المدونة بـ (م) وهو يسلخ تلك البقرة البيضاء والتي ربما ولدت إبان الاستفتاء على الدستور 1991 فسألته أين الطبيب البيطري؟ فرد وهو في جهد مضن "لما يحن بعد مجيئه"، وعند سؤالنا له عن الوقت المعتاد لحضوره كان رده أن البيطري "قد لا يصل البتة فالمهم أننا نصطحب معنا نصيبه إلى السوق، ونصيبه هو جزء من الكبد والقلب والذروة نضعه في وعاء ونرفقه بـمبلغ 500 أوقية ثم ندفعه له، ثم يضع ختمه على اللحم ليوزع في السوق".

ما خفي أعظم ...

مسلخة غير مصنفة (لكوارب)
أثناء إعدادنا لهذا التقرير تمكنا رفقة أحد الأدلاء من الوصول إلى منطقة في الناحية الشمالية  الغربية من حي "الصطارة" وعلى مقربة من طريق انواكشوط - روصو حيث تكون الذبائح في وقت متأخر من الليل، إذ حسب هؤلاء يقوم أكثر من شخص في المساء  بربط ذبائحه التي كثيرا ما تكون قد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس، وفي سكون الليل يتجافى جنبه عن المضجع ليقوم بفعل ما حاك في نفسه وكره أن يطلع عليه الناس، من سلخ وبيع هذه العجاف وخلط الرديء من اللحم بالجيد مسولة له نفسه بيعه في السوق.
وأما وقع قبل فترة قليلة من الآن في حادثة ربما الأخطر مما كشف عنه الستار فلا يعد استثناء، وذلك عندما أقدم أحدهم على سلخ جيفة نهارا وعلى مرأى ومسمع ممن حوله ثم باع لحمها في السوق دون أي متابعة، إلا أنه ولحسن حظ المستهلك هذه المرة كان أحد من ذوي الضمائر الحية قد رأى الميتة فسأل عنها فأخبر بأن المسمى (..) قام بسلخها وأخذ يبيع لحمها، فأبلغ الشرطة التي ألقت القبض على (..) ليطلق سراحه في وقت لاحق بعد تدخل أحد النافذين في المدينة.

من المسئـــول ..؟

من حق أبناء روصو كمواطنين ومن حقهم كبشر أن يعرفوا على عاتق من تقع مسئولية الرقابة على هذه المسالخ؟ وهل هي مشتركة بين البيطرة والبلدية والشرطة؟ أم أنها أحادية التسيير، يشرف عليها أشخاص فقدوا الإحساس بالمسئولية، وعلى المواطن المسكين أن يبحث لنفسه عن حل أو يضرب صفحا عن مادة اللحوم التي أصبحت ـ والحالة هذه ـ أقرب إلى سم قاتل منها إلى غذاء نافع.                    

هناك تعليقان (2):

  1. معجب بمدونة لكوارب12 أبريل 2011 في 11:49 م

    هذا خطير اتقوا الله يا جزارين.

    ردحذف
  2. حد من أهل الصطارة13 أبريل 2011 في 1:17 م

    أين هي حماية المستهلك والبلدية والسلطات عموما من هذه المهزلة؟

    ردحذف