23‏/03‏/2011

"ارغيوات" .. قرية تحت الحصار

جانب من القرية يشهد على المعاناة (تصوير لكوارب)
في أقصا الشرق من بلدية روصو وعلى بعد 18 كلم من المدينة تطل قرية "ارغيوات"، وهي تصارع الزمن وتغالب الأقدار وقد تجاوز عمرها الخمسين ربيعا مضت على حين غفلة أو تجاهل من طرف البلدية والمقاطعة والولاية ..
مرت أكثر من خمسين سنة على تاسيس هذه القرية ولايزال المرض والجوع والبطالة يفتكن بسكانها "المحاصرين"، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.
ولايحتاج زائرها إلى كثير من الإدراك ودقة الملاحظة لكي يشاهد ويلاحظ مدى المعاناة التي يرزحون تحت وطأتها والواقع المر الذي يعيشون فيه، حيث تنعدم أبسط مقومات العيش الكريم من صحة ومياه وتعليم .. وحيث البطالة تحكم قبضتها على أركان القرية الأربع لتحول المستقبل ـ أمام شبابها الحالمين ـ إلى شبح مخيف ومصير مجهول .. وحيث تتفاقم كل الأزمات بدون استثناء.


 أطفال القرية في طريقهم لجلب الماء من النهر (تصوير لكوارب)
أزمة العطش ..
يتفق جميع سكان القرية على أن أكبر مشكلة عانوا منها منذ تأسيس قريتهم وحتى اليوم هي مشكلة المياه الصالحة للشرب، ولايكادون يجمعون على مسألة مثل إجماعهم على ضرورة حل هذا المشكل العويص الذي لازمهم طوال هذه المدة وجعلهم يعتمدون في شربهم وسائل قديمة تجاوزها الحاضر وعفى عليها الزمن.
وحينما تسأل الفرد منهم عن أبرز مشكلة يواجهها لايقفز إلى ذهنه – وعلى البديهة- إلا مشكلة المياه فقد فرضت نفسها قسرا على كل قاطن في هذه المنطقة وتصدرت أولوياته، وبحسب عبد الودود ولد سيد أحمد(أحد وجهاء القرية)، "فإن نصف أبنائها يبولون الدم نتيجة شربهم المياه الملوثة"، ويضيف "إن من يملك حمارا لجلب المياه من النهر ويمتلك القدرة على تصفيتها بوسائل محلية وبدائية يعتبر من أحسن القوم حالا, ويطابقه الرأي في ذلك أحمدو ولد بركه (أحد أعيان القرية) حيث يقول في مقابلة مع مدونة لكوارب "لقد تأسست قريتنا 1954م، ومنذ ذلك الحين لم نحصل على أي مصدر للمياه الصالحة للشرب، فلاتوجد لدينا محطة لتصفية مياه النهر"، ويضيف قائلا: "لازلنا حتى الآن نجلب المياه على الحمير من النهر السنغالي علما بأنه ملوث بالمواد الكيماوية المستخدمة في إصلاح المزارع المحاذية لضفتي النهر".

أزمة الصحة ..
وليست الصحة هنا استثناء من غيرها من المشاكل المتراكمة، وليست بأحسن حالا من سابقتها .. فلايوجد في هذه القرية مركز أو نقطة صحية باستثناء بعض الرحلات التطعيمية الخاطفة التي تنظمها الإدارة الجهوية للصحة بالولاية، وفي أغلب الحالات يلجأ السكان إلى مستشفيات الجارة الجنوبية السنغال، وفي بعضها تلجئهم الضرورة مكرهين إلى مستشفى روصو الذي ارتبط في أذهان كثير منهم بالإهمال وعدم المبالاة، ويروون في ذلك قصصا ادراماتيكية غريبة كان أطباء المستشفى أبطالها، فلايزال عبد الودود يذكر يوم قدم إلى مستشفى روصو بمريض قد وصل إلى مرحلة متقدمة من الزائدة الدودية فأصر الطبيب المداوم على أن حالته بسيطة ولاتستدعي رفعا إلى العاصمة نواكشوط, ثم أخذ يماطل حتى انفجرت الزائدة في بطن المريض .. والقصص في هذا المجال تطول وتتنوع بطول وتنوع معاناة القوم.

إهمال وتجاهل ..

 يتفاجأ القادم إلى هذه القرية بانعدام شبه كامل لأي منشأة عمومية أو إنجاز ملموس حققته البلدية أو غيرها من الهيآت والمشاريع المختصة، وهي حقيقة يتحدث عنها القوم بمرارة واستياء واضحين، تلاحظ ذلك جليا في محيا فاطمة بنت محمد (رئيسة تعاونية نسوية)، وهي تحدثك بعفوية تمتزج بشعور بالغ بالحرمان والإهمال "نحن نمثل جزءا من هذا الشعب الذي يستحق على سلطاته أن تمد له يد العون، ونعتبر أننا منسيون تماما فلامسؤول يزورنا ولا أحد يسأل عن حالنا".
عبد الودود على أطلال أحد المنازل المتهدمة
وربما يكون لسان الحال في مثل هذه الحالات أفصح من لسان المقال، يتضح ذلك بجلاء لمن زار القوم وتخلل بيوتهم المتواضعة ولامس أوضاعهم عن قرب ليدرك  أن "كلما يثار عن فقر أهل هذه القرية و بؤسهم وحرمانهم هو عين الحقيقة " على حد تعبير أحد مسؤوليها.
ويعتبر سكان "ارغيوات" أنهم راحوا ضحية حرمان ممنهج ومتعمد درجت عليه السلطات الجهوية في المنطقة منذ فترة بعيدة, كما يرون أن هذا الحرمان شمل مختلف الجوانب دون استثناء, فقد حرموا بشكل كامل من "عملية رمضان" و"عملية تضامن 2011", كما تم التحايل في السابق على حصصهم من الإسعاف, وعلى حد تعبير أحمدو ولد بركه "فإن حصلت الاستفادة منه فإنها تقتصر حسب المعتاد على أسر محدودة وبنسب ضعيفة للغاية, حيث تحصل الأسرة على أقل من كلغ واحد".
يومه تتحدث  للمدونة عن مأساتها


ولا تزال يومه بنت بركه تذكر بمرارة مصابها يوم غمرت القرية فيضانات عارمة هدمت بعض المنازل على رؤوس ساكنتها ومن بينها منزلها الذي فقدت فيه فلذة كبدها "امبيريكه بنت العيد, وتضيف يومه "كنت أظن أن السلطات ستصل في الوقت المناسب وتمد لنا يد العون لأن مصابنا كان عظيما.. ولأننا مواطنون نستحق ما يستحقه أي مواطن كريم".
ويرجع عبد الودود ولد محمد السبب وراء هذا "الحصار" المطبق الذي تعاني منه القرية إلى الشائعات التي تصف سكان القرية بالمعارضين, ولكنه يستدرك قائلا "حتى وإن صحت هذه الشائعات فإن سببها هو عدم الالتفات إلينا أو مراعاة مصالحنا", ثم يتساءل "كيف يعقل أن تكون قرية بهذا الحجم وتابعة لبلدية عاصمة الولاية روصو لاماء فيها ولاصحة ولا أي شيء؟ .. كيف نوالي وندعم من لم يهتم بنا أو يلق لنا بالا".

مجموعة من سكان ارغيوات يودعون فريق المدونة (تصوير لكوارب)
نـداء استغاثة ..
يؤكد المسؤولون في قرية "ارغيوات" أنهم لم يتركوا بابا يصل إلى السلطات إلا طرقوه ولا قناة يمكن أن توصل صوتهم المبحوح إلا استخدموها, ولكن كل جهودهم ومحاولاتهم لإسماع صوتهم باءت بالفشل وذهبت أدراج الرياح, فكانت مجرد صيحة في واد ونفخة في رماد .. وهاهم اليوم يعيدون الكرة من جديد ويصدق فيهم القول:
وداع دعـا هـل من يجيب إلى الـــندى          فلـم يستجبه عنـد ذاك مجيـب  
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة         لعل أبي المغوار منك قريــب
ولعل أصداء أناتهم في  أدغال شمامه تصل إلى "رئيس الفقراء" الذي أضاف إليهم نفسه واتخذهم وسيلة للحكم وهدفا له, فأملهم فيه كبير أن يكون لهم معينا ومنقذا, وحتى يتحقق ذلك فإنهم سيظلون متمسكين بأملهم الواعد في غد مشرق يمزق فجره "الصادق" ستائر ليل مظلم أرخى عليهم سدوله ردحا من الزمن وابتلاهم بأنواع الهموم ...
عسى فرج ياتي به الله إنه    له كل يوم في خليقته إمر




                                                                                                                                   يتواصل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق