10‏/03‏/2011

مظاهر التواصل بين الضفتين 2 .. (أدب)

 محمد ولد أبن نموذجا
الشاعر محمد ولد أبن
إن التواصل بين ضفتي النهر السنغالي لم يكن حكرا على جانب بعينه وإنما شمل مختلف الجوانب دون استثناء, ولقد كان للأدب حظ وافر من هذا التواصل، حيث شهدت الضفتان تبادلا ثقافيا وأدبيا كثيفا كل في اتجاه الأخرى، والمتصفح لدواوين شعراء الضفتين يدرك دون كبير عناء أنها تطفح بكم هائل من الحكايات الأدبية والقصائد والمقطعات الشعرية  التي تعبر عن تواصل أدبي حقيقي بلغ مداه في فترة من الفترات حتى تجاوز حدود اللغة واخترق حاجز الثقافة.
ويعتبر الشاعر محمد ولد أبن ولد احميدا أنموذجا حيا للتواصل الأدبي بين الضفتين, فقد عبر الحدود وخاض عباب النهر بشعره في أغرضه المختلفة.. مدحا وغزلا ونسيبا ...
"مدونة لكوارب" ــ وفي إطار رصدها لمظاهر التواصل بين الضفتين ــ تأخذ قراءها الكرام في رحلة أدبية خاطفة بين دفتي ديوان الشاعر محمد ولد أبن ولد احميدا لنقرأ في إنتاجه السنغالي:

 ــ مـــــدح

لعل أبرز محطات ولد أبن الأدبية في السنغال كانت مقامه عند حضرة الشيخ محمد المصطفى ولد الشيخ أحمدوبمبه في مدينة "طوبى", وتجمع أغلب الروايات على أن العلاقة بين الشيخ والشاعر بدأت لأول مرة يوم قدم الشاعر إلى مدينة "طوبى" فلم يجد العناية الكافية أو التقدير الذي كان يرجوه، فكتب أبياتا مطلعها:

يا شيخنا المصطفى يا منية الجاني
                                    يا أرأف الناس بالقاصي وبالداني

فلما سمعها الشيخ بعث في طلبه فأعيد إليه من مدينة "اللوكه"ولما مثل بين يديه قال له الشيخ أأنت قائل هذه الأبيات، قال نعم وقد قلت غيرها, فأنشده قصيدته المشهورة:

أمنت من الخــــــــطوب أتيت طـــوبى          ويامن من ألم بها الخطـوبـا
فطوبى للــــــــــــــــــــذي دفنوه فيها         وللشيخ الخليفة منه طوبــــى
فلا غدرا أخــــــــــــــــــــاف ولا أذاة         من الدهر الخؤون ولا خطوبا
أتيت مدينة لله تدنـــــــــــــــــــــــــــي        ويصفى يمن زورتها القلـوبـا

إلى أن يقول:

بها الشيخ الخديم ثوى فنالت           بيمن الشيخ منــزلة وطيــبا
وأظهر ســره فـيها فدبـــــت            حميــا ســـره فيــــها دبيــبا
وأفــرغ في جوانبها
ذًنــوبـا            من البركات تختطف الذنوبا...

وبعد أن استرضاه بهذه القصيدة توطدت بينهما المودة والصداقة, فأقام معه فترة وذات يوم قدم إليه الغداء مخلوطا بالسمك المجفف المطبوخ وهو طعام مفضل لدى السنغاليين, غير أن شاعرنا البدوي ما كان يعرف السمك لانعدامه في بيئته فلم يرغب فيه, وأحب أن يداعب شيخه، فأنشأ هذه الأبيات:

يا شيخ من أوصيتم بضيافتــي           عرجوا بإكرامي سماء عروجه
وتلطفوا لي في المقال وأطلعوا           في كل برج منه سعد بروجـــه
لكنـــهم والـــدهر يركب أهلــه            ما شاء من أقتـابه وسروجـــه
خلطــوا طعــامهم بحوت يابس           وأنا أعاف الحوت يوم خروجه             
 وتروي الحكايات أن الشيخ لما سمع الأبيات استلقى على ظهره واستغرق في الضحك وهو يضرب برجله الأرض.
ولقد ظل محمد ولد أبن يتردد على الشيخ في مدينة "طوبى" وينظم في مدحه القصائد تلو القصائد، ومن ذلك رائيته:

طرقتنــي نوار عنـــد "دكـــــار"            فـأثــــارت بــلابلــي وادكـــــاري
وصلتنــي وطـالمــا منـــــعتنـــي             وصلها غيبــــة الرقــيب "نـــوار"
دأبها الهجر لي ودأبي هــــواهـا             فهــو فــي القلب مثــل جذوة نــار
لست أسطاع عن"نوار"اصطبارا           خانني عن هوى"نوار"اصطباري
كلما ازددت في نـــوار اشتيـــاقــا           أظهــرت لــي زيـــادة فــي النــوار

 إلى أن يخلص إلى مدحه فيقول:

فارقتني فأرقتــــني فدمعـــــــي        بين ما هو سافح أو جـــــار
كندى المصطفى الخليفة في الأز      م إذا أخلف الغيوث السواري...


 و يبدو أن الشاعر لما مدح الشيخ  بقصائد عدة أحب أن يمدح أبناءه ترسيخا للعلاقة ورغبة في اكتساب ودهم جميعا, ويروى أنهم بالغوا في إكرامه لما سمعوا هذه الأبيات:

لقيت بنـــي الشيخ الكـــرام عشيـــة       بجانب"طوبى"حيث تبـدو الأبــاطح
وحيث المعــالي والمعـــاني جليــــة       وحــيث منـار الــدين أبلـــق واضــح
وحيث السخاءالصرف يخضر دوحه       يلــوح بهم في بــارق الشــيخ لائــح
وحيث طيــور الخير تبدوا ســوانحا       ولم تبــد للعيـــن الطيــور البــــوارح
فــأيقنـــت بالمأمــول لمـــا لقيتــهم        وإن سهـــلت لــي بالمـــراد المنــادح
أولاك أحبــــائي وأبنــــاء ملجئــــي       إذا ضـــرستنــي النائبـــات الكـوالـــح
"علي" علــي من أصـــول عليــة         و"محمود"محمود و"صالح"صالح
فبـارك رب العرش فيهم وحـــاطهم        من الكـــــاشح النمــام إن نم كــاشــح

  ولم يقتصر ولد أبن في مدحاته السنغالية على أسرة آل الشيخ أحمدو بمب وحدهم, كما لم يقتصر مقامه في السنغال على مدينة "طوبى" فحسب, وإنما طوف في شرق البلاد وغربها مادحا لأوجه عدة ولشخصيات من مختلف التوجهات الصوفية والسياسية ومن بسطاء القوم وعامتهم.
 وربما فزع الشاعر في بعض الملمات التي تنوبه إلى وجهاء القوم هناك فيمدحهم رجاء وساطتهم ووجاهتهم لدى الحاكم المستعمر, ومن ذلك قصيدته التي نظمها في مدح المترجم السنغالي في "سان لويس" الأديب محمد ولد أبن المقداد:
 
فت بين "الرباب" في العين صــابا        فجرى المد مع المصون وصابا
وغلــت في الحشـــا  زوافـــر أنـــفا         س تشكى الإهــاب منها التهابا
راب بين "الرباب" قلبي ولــم أش         عر إلي أن حــدا الحداة الربابـا
فتــلا فيت أخـريات ركـــاب الـــــظ         ظعن, والظعـن تستحث الركابـا
فبدت لي"الرباب"إذ صرت في وعـ       ـث النقى تستميل عنها النـقابـا
رمقتنـــــي فــأومأت لـــي إيمـــــــا        ءا خفيــــا بــأن أؤوب إيــابــــا

 إلي أن يقول:
لم يكن في محمد عيب إلا               أنــه فـــي إطاعــة الله شــابا
عالم عامل أديب ظريف                 شاعر يمنع الخطيب الخطابا
يأخذ الشعر من معان قريبا             ت بعيــــدات إن دعاه أجــابا...


والقصيدة تبلغ خمسين بيتا, وأرجح الروايات تميل إلى أن سبب نظم الشاعر لها هو أن حاكم أبي تليميت بعث في طلبه للتحقيق معه في بعض التهم الموجهة إليه فخرج من موريتانيا سالكا طريقا مهجورة متوجها إلى السنغال والأمل يراوده في أن يستصدر عفوا من الحاكم الفرنسي العام لموريتانيا هناك مستعينا في ذلك بوجاهة ممدوحه محمد ولد أبن المقداد, وقد تم له ما أراد.
وله في مدح أبناء المقداد السنغاليين عموما:

يا من جعلتم رضا المولى تجارتكم         وبعتــــــــم دركــم فيــه ودارتــكم
ومن أمـــارتكم في النـــاس أنـــكم         لا تـــذكرون وإن جلــت إمارتــكم
هيْنــون ليْنــون أقحاح جهـــــابذة         كـان العُقـار وقد شُج استعارتـــكم
يا من إذا خــاف أقـوام خفـــارتهم         فيــمن أجــاروه أديتــم خفارتـــكم   
يـود أعقــل أدنـــى فوق شاهقــــة         لو كــان جـاركم أو كـان جارتـــكم
إنــي محبـــكم قدمـــا ومــادحــكم          وسامع إن أشرتم لــي إشـارتـــكم
ولا أعـــد لهــــــول داهم جـــــلل           مــادمــت واجـدكم إلا زيــارتـــكم 
ولا أعبر عمــــا جئت فيـــه لـــكم         إلا بـ"كم"فافهموا عني عبارة"كم"

 وله في مدح سنغالي يدعى "ساخ" وهو تلميذ لأسرة آل الشيخ سيديا المشهورة:


في "ساخ"راسخ طبع الشيخ متضح       لم يخف راسخ طبع الشيخ في"ساخ"
لا غرو إن رسخــــــــــت فيه جبـــلته       طبــــع الألبــاء في ذي اللب رســـاخ
يمم لحــــــاجك سيب البحر أو"ساخ"      من عنده بِِِــدر النقـــــدين أو ســــاخ     
شأى المجارين في الدينار أجمعــــه        سيان إن ركضوا في الشأو أو ساخوا


و الأبيات الأربعة وردت في مساجلة بين الشاعر وأبي مدين ولد أحمدو ولد اسليمان الديماني ومحمد ولد أبن المقداد السنغالي في "ساخ" المذكور.
وقال أيضا يمدح سنغاليا في مدينة "تياس"يدعى"جبرائيل":

ألا يــا جبرئيل نمــاك "دودو"        إلى عليا نمتك لها الجدود
وسماك الأمـــين وذي سمـــاة         بها تعلو إذا حضر الوفود
وأحضــرك الكــرام لتلتقـــيها          وليت زمان حضرته يعود
وأمك في الورى عصماءعقد          يتيمته إذا نُــــظم العقـــود
لهــا صبح تبلج تحت ليــــــل          وألمى واضح عسل بـرود

وله أيضا في مدح الشيخ عبد كنت الصوفي القادري السنغالي في بلدة "انجسان":
ألا يا عبد إن عليك سيـــما           جدودك فهي محجلة الدراري
يلوح بوجهك الوضاح نـور          تـوورث عن أكابـرك الكبــار
فإن جاراك من حسد حسود         وسامــك بالمــذلـة والصــغار
ورام مقامك الأعلى وأغـلى         لظى الشحنا وأعلن بالضرار
فلا تعتب فأنت حُلا النوادي         منــارة كــل حيـــران وســـار
أبي الضيم مبثــوث المزايا          عــزيز الجار محمي الذمـــار...

إلى آخر القصيدة التي يبلغ تعدادها حوالي ثلاثة وثلاثين بيتا.
ولقد أقام الشاعر فترة عند الشيخ عبد كنت, فكلف الشيخ أحد مريديه ويدعى "مالك افال" بضيافة الشاعر الذي رأى أن يكافئه بأثمن ما يملكه وهو الشعر, حتى ولو كان" مالك افال" لايفهم العربية ولا الشعر, فقال في مدحه:

حلفت برب العـرش ما وكـل أمرؤ          على شأن ضيف زائر مثل مالك
تمــالك عن فعـــل المذمة طبــــعه          ولـم يـك عن علياء بالمتمالـــك
ولا تعجبوا من كل ما حاز "مالك"         فذلـكم من فضـل مالك "ماـلك"

                                                                                         يتواصل ...

هناك تعليق واحد:

  1. للملاحظة، هذه الصورة التي وضعتم لا تمت بأي حقيقة لشخص الشاعر الذي تحدثتم عنه.
    مع كامل التحية

    ردحذف