01‏/03‏/2011

الأستاذ سيدي ولدمتالي يكتب .. هل يعتبر تغيير النظام هدفا الآن؟

كانت الثورة التونسية الفتيلة الأولى لعدة ثورات بدأت تجتاح العالم العربي كان من أشدها وقعا في الساحة الدولية ما وقع في أرض الكنانة (مصر)، ثم بدأت أصوات أخرى ترتفع في بعض الدول العربية مثل اليمن و البحرين و ليبيا و الجزائر ... و ربما موريتانيا من خلال الدعوة التي وجهها عمدة أوجفت ولد احمين أعمر و قبلها تصرف ولد دحود على الطريقة البوعزيزية .
و قد جاءت هذه الثورات باعتبارها ردة فعل على ارتفاع في أسعار المواد الأساسية و تفشي البطالة و غياب العدالة الاجتماعية و في أكثر الدول العربية الافريقية و ربما دول العالم الثالث بصفة عامة.
و الذي لا يدع مجالا للشك هو أن بلادنا قد عانت مما عانت منه هذه الدول التي قامت فيها الثورات حيث ارتفعت الأسعار بشكل صاروخي و تفشت البطالة و لم تؤتي حملة محاربة الفساد أكلها و غابت العدالة الاجتماعية في كثير من القطاعات... حتى خرج الرئيس عن صمته في مجلس الوزراء الأخير كما خرج حسني مبارك عن صمته وقال إن حكومته لا تمتثل أوامره ... كل هذا يبرهن على تضرر بلادنا مما تضررت منه نظيراتها التي ثار شعوبها و لكن ما الحل؟
هل هو بتغيير النظام؟ الجواب هنا بالنفي لعدة أسباب:
منها أن مشكل بلادنا و عائقها الأساس لا يكمن في عدم تغيير الأنظمة في فترة ما بين 2005 – 2008 تم تغيير النظام في بلادنا ثلاث مرات فلو كان تغيير النظام هدفا لحد ذاته لما تضررت شعوبنا مما تضررت منه شعوب مكثت عقدين أو ثلاثة عقود أو أربعة عقود تحت نيل حكم واحد و يريد أصحابه توريثه من بعده.
ثم إن بلادنا تعيش بنية اجتماعية هشة مما يجعل غياب سلطة مركزية فيها ليوم واحد يوشك أن يعصف بكل ثوابت البلد و كيانه كدولة ذات سيادة فنحن دولة في طور المراهقة إن لم نكن في طور الطفولة، و لا تمكن مقارنتنا هنا بمصر (أم الدنيا) و لا بتونس من حيث الوعي و الانسجام بين مكونات النسيج الاجتماعي الصلب لدى هذه الدولة و الهش لدينا. هذا فضلا عن أن أهواءنا تختلف إلى درجة التناقض أو التضاد أحيانا و قديما قال العلامة المصلح الاجتماعي الشيخ سيديا باب ولد الشيخ سيديا إن بقاء الأمة ستين سنة تحت سلطة أمير جائر خير من (سيبة) يوم واحد و هذا معنى حديث رواه العلامة بمعناه و غير فيه العدد من اثني عشر إلى ستين و إن كان كلام المصلح قد وافقه القدر إذ مكث المستعمر في بلادنا ستين سنة.
و مهما يكن من أمر فإن بلادنا تمثل استثناء من هذه الناحية و لا يمكنها أن تستوعب ثورة من طراز الثورة المصرية و لا الثورة التونسية و من ناحية أخرى فإن أزمة الشعب الموريتاني تعتبر قبل كل شيء أزمة ضمير و غياب لمفهوم الدولة لدى أكثر من تسعة أعشار المواطنين بل نقول إنها أزمة مجتمع.
فمجتمعنا مازال إلى هذا الوقت عاجزا عن استيعاب إصلاحات طفيفة لوح بها عسكري نزع بذلته بالأمس القريب فمن أين لنا استيعاب أو تسيير ثورة أو إدارة أمة معلنة العصيان المدني؟
و قضية أخرى مكينة و هي أن جيشنا مختلف عن جيش تونس الذي لم يهتم بالسياسة منه إلا رجل واحد آل أمره إلى ما آل إليه و لكن الجيش المصري الذي صرح أنه لا يمثل الشرعية التي يردها الشعب؟ فجيشنا جيش سلطوي محب للسلطة مرتبط بها ارتباطا حميما و يكفي دليلا على ذلك أن التغيير الأخير على يد ولد عبد العزيز جاء ردة فعل على تحويلات طالت بعض الضباط السامين !
طموحات الشعب الموريتاني تختلف فمنه من يحتسب السلطة ملكا له تم استلامها من ه ظلما و جورا و منهم من يراها فصلت على مقاسه و حرم منها و منهم من يراها حقا لقبيله أو لعشيره أو لفصيله و من هنا يرى إن صوابا أو خطأ أحقيته فيها.
نحن في هدنة.. هدنة مع ذواتنا لأننا ندرك تمام الإدراك أن ديمقراطيتنا مزيفة فكل الانتخابات التي نظمناها لم تكن نزيهة قط و مع ذلك يخاطب العمدة المنتخب بتلك الطريقة المثيرة للشك بالعمدة و نصف الرئيس المنتخب بها بالرئيس المنتخب و كذا البرلماني و الشيخ الذي اشترى الأصوات بالمزاد العلني على مرأى و مسمع من الجميع.
هدنة مع شعبنا لأننا ندرك أنه لا يثق في تعهداتنا و لا في مشاريعنا و مع ذلك نراه في كل مرة يتحدث عن الوفاء الملموس في كل التعهدات التي تتجاوز البرنامج الانتخابي إلى توزيع "البقشيش" على الناخبين
هدنة مع الأسلاك الكهربائية التي تقطع الطريق على أطفالنا مع ما تحمله من الصعق الكهربائي المميت و نتابع مدها بشكل غير شرعي و غير آمن.
هدنة مع تعليمنا الذي ندرك أنه جعل منا دولتين غير منسجمتين و لا نأبه بذلك و ندرك كذلك أن برامجنا تخلو من ترسيخ الثقافة الوطنية و مع ذلك نطالب أبناءنا بالتحلي بهذه الروح و هم يرونا نحن مجردين منها.
هدنة مع أسعار المواد الغذائية لأننا نستاء من انخفاضها أكثر مما نستاء من ارتفاعها فنحن شعب تاجر قبل أن نكون شعبا... أتينا فاتحين تارة و تجار تارات كثيرة فمتى نهادن أبناءنا المجندين بدافع البطالة لدى تنظيم القاعدة مثلا تلك قضية تمثل مظهرا من مظاهر غياب العدالة الاجتماعية و عدم تقبل الآخر.
فالحل لا يكمن في تغيير النظام و إنما يكمن في تغيير العقلية لدى الشعب و تغيير الممارسة لدى الحكام و تغيير الأهواء لدى مكونات شعبنا فنحن نملك من مقومات الثورة شيئين اثنين هما تردي الأوضاع الاجتماعية و البلطجية و تلك قضية تجعل ثورتنا من رابع المستحيلات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق