26‏/02‏/2011

الفساد .. إلى متى؟


الأستاذ:ولدحمنيه
الكلمتر (10) جنوبي مركز تكند الإداري على متن الطريق الرابط بين العاصمتين انواكشوط و روصو كان مسرحا لحادث بشع بين شاحنتين حُمّلت إحداهما باللبِن و شكل قضبان الحديد حمولة الثانية، و شاءت الأقدار أن يختلط الحديد باللبن و يطعم الجميع بهيكل الشاحنتين، فشكَّل ذلك حاجزا عظيما سد طرق العابرين باتجاه الجنوب و المارين باتجاه الشمال، و بما أن الطريق في منطقة الحادث محاطة بالرمال في جانبيها و مرتفعة نوعا ما أدى ذلك إلى انتظام السيارات بمختلف أحجامها في طوابير طويلة و ازدحام كبير في الكم البشري، السلطات لم تتأخر كثيرا إذ جاء الوالي متبوعا بالحاكم و الجميع مرصع بأفراد من الحرس و الدرك الوطنيين، و رغم أنه حضور أقرب إلى المسرحية منه إلى الواقع إلا أنه مطلوب في مثل هذا الحال في ظل تواجد كم بشري هائل يحتاج الماء و الغذاء و النظام إلى هنا و الأمر عادي وقوع حادث، و تجمع أفراد، لكن غير العادي أن يبيت المواطن على الطوى و يظله من أجل مبيت آخر على الطوى و ربما مقيل في انتظار رافعة تفتح الطريق و تكسر الحاجز و تجزم بالسكون نفوس المواطنين ليعرب الجميع عن رضاهم بالأمر.
لكن الواقع غير ذلك تأخر في الأمر دل دلالة قاطعة على فساد و تهالك الإدارة الوطنية و هشاشة المؤسسات في الدولة الموريتانية.
وال و حاكم يظهران كسراب بقيعة ثم يختفيان على وعد بالحل السريع و تمر الساعات طويلة دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل لحل المشكل الذي حوله فساد الإدارة الموريتانية إلى مشكل غير قابل للحل و إن حدث و حلت المشكلة فالقضية إنجاز ينضاف إلى سلسلة إنجازات فخامة القيادة الوطنية.
الفساد بمستوياته الثلاث الصغير، و الكبير، و الاستحواذ على الدولة استشرى في الإدارة الموريتانية منذ حقبة السبعينات و حتى اليوم لكنه بحلول 18 يوليو 2008 و بعد انقلاب عسكري أبيض تحول فساد الدولة الموريتانية إلى وجهة جديدة و أعلن الرئيس المنتخب لموريتانيا أن رأس أولويات الحكومة الجديدة مكافحة الفساد و بمختلف مستوياته و بناء دولة حديثة و مجتمع متكامل سياسيا و اقتصاديا و فكريا و استبشر الموريتانيون خيرا بعد أن رأوا في التسمية الجديدة لرئيس الدولة (رئيس الفقراء) أمانا من الغبن و التهميش، لكن تقارير المنظمات الدولية بما فيها البنك الدولي جاءت صدمة للجميع إذ تبين التقارير أن العام 2010 هو أكثر الأعوام فسادا في موريتانيا حيث شكل "الاستحواذ على الدولة" المستوى الأول من مستويات الفساد صيغة الفساد السائدة في الإدارة 2010 و هو قدرة المؤسسات الجديدة على اختيار أشكال التنظيم و الضبط التي تحافظ على مصالحها الخاصة من خلال منح مكاسب غير شرعية للمسؤولين الرسميين، و هو فساد يتركز على تشكيل القوانين حيث يؤول المال إلى البرلمانيين –و الذين لولا التشهد كانت لاؤهم نعم- و أعضاء الحكومة و القضاء و هو ما يؤدي في النهاية إلى الحط من فعالية الخدمات العامة و إعاقة الإدارة المالية السليمة و زيادة الفقر و انتشار الظلم و القضاء على المؤسسات الاقتصادية الضرورية للنمو الاقتصادي و كبح تدفق الاستثمار الأجنبي و الذي يعود بفائدة معتبرة على الدولة و الشعب معا.
هذا الفساد إذا عصف بسمعتنا و فتح الباب لسخرية الغير منا و عري إدارتنا و مؤسساتنا على مرأى و مسمع من أجانب كتب القدر أن يعانوا من الاحتجاز على مدى 24 ساعة بسبب الحاجز القائم على متن الطريق، هذا الفساد آن لنا سيدي الرئيس أن نتخذ الحل المناسب له بخلق استراتيجية تهدف لإصلاح اجتماعي و ليس مجرد الوقوف عند إصلاح اقتصادي لم يكتب له النجاح في أغلبه.
سيدي الرئيس
نحن اليوم أمام تحد صعب إذ غيرنا يبني و حكومتنا تهدم و الأمر يعود إلى أشخاص محدودي العدد انتهجوا النفاق مهادا و التصفيق سبيلا و عاثوا في الأرض فسادا بعد إصلاحها  فأكلوا الأخضر و اليابس و القيادات العليا في الدولة تتغاضى عن الأمر و كأنه في بلد آخر غير موريتانيا، و أضحت القرابة و الجهة و النفاق معايير معتبرة للتعيين و تم إبعاد الكفاءات و تهميش أولي العقول و الألباب و الواقع شاهد حتى على ذلك، مساحات عمومية شاسعة بيعت بثمن بخس دراهم معدودة و المستفيد قرابة "للجهة العليا في الدولة" و من قيادة مؤسسات الدولة أزيحت الكفاءات و أحلت محلها ولاءات بالقرابة و المصاهرة لأولي الأمر و اختلط الحابل بالنابل و الغث بالسمين و انصهر الجميع في بوتقة من الفساد لا مخرج منها إلا بتغيير ولي الأمر لسياساته و اعتماد العدل و المساواة منهجا للحكم و إلا فإن مصير حكام موريتانيا محكوم عليه كما حكم على سابقيه بالرحيل سنة الله في خلقه و لن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق