من أسرة بسيطة تتكون من أم وأب ولدت الفتاة عند أبويها ....فالأب تاجر يشتغل بتحصيل كسبه اليومي ....تظهر عليه تصاميم التجربة التي مر بها ....يبتسم كأنما قد أخذت منه غصبا ...أغلب أوقات الراحة لديه يشغلها بالنظر للتلفزيون وحكاية "ماضي صدام المجيد"يتنفس الصعداء ويلمس بريق الحرية عندما تجاذبه الحديث في بطولاته ....يعتذر عن أخطائه فهو محام بارع ولكن غير مأجور وإنما يفعله "لوجه الله لا يريد منه جزاء ولا شكورا "
في ساعات الفجر الأولى يشرب من الشاي الغليظ ويردفها بزريقة(ماء أشيب بلبن) ثم يعكف على شد حذائه على رجليه لتبدأ رحلة الكد والتجوال بين مختلف دكاكين المدينة وفي المساء يعود.
أما الأم فهي عصامية عصبية إذا تكلمت اهتزت الجدران وأرجعت صداها... ويسكت الجميع يخاف منها الجميع ...إذا جالستها تمتعت بفكاهتها ..تحكي لك عن ماضي طفولتك وبراءة صغرك ...تتصور كل "ألبوم حياتك"بين عينك ...مرة تحاكي كلامك وتسرد لك أفعالك المضحكة ومرة تتذكر طفولتها فتندم أنها لم تكمل دراستها
تزوجت في رعيان شبابها ومجد جمالها بذالك الرجل "الكاد" فكانت نقطة التحول الجذري في حياتها دخلت معترك الحياة وغاصت في هموم البيت والأبناء ،سافرت إلى أغنى ولاية في البلد مع زوجها وابنتهما الوحيدة.
مرت سنون تخللها عراك وانفصال الأسرة ولكن لغربة المكان ساعد ذالك على إعادة الجولة وصياغة بروتوكول المعاشرة من جديد لم يتغير الكثير بل عادت حليمة لعادتها،
في هذه المرة تدخل عنصر ثالث في حياة الاثنين إنها الفتاة ذات الشخصية البارزة ، ذكية عاقلة وسليقة إذا تكلمت أفحمتها بالحجة تتفنن في الكلام بأسلوب فريد يسلب عقل المستمع حتى تحول القضية لصالحها وتتخيل الظالم مظلوما.
انبهر الأبوين بعقل الفتاة وصارت شؤون البيت بيدها رغم صغرها...
تزوجت وهي بنت عشر سنوات بابن عمها......
الأم مهندسة الزواج لابنتها...تكرم حموها وتحسن معاشرته...اقتطعت له بعض ما تمتلك وأسكنته في قطعة أرضية،تربى معها صغيرا أيام كان يدرس في الابتدائية ثم انتحى طريقا آخر لمزاولة العمل الحر تاركا مقاعد الدراسة...ظن الفتاة حمقاء خرقاء قد يوهمها بأنه بمثابة الأب لها يعزف على وتر واحد ويتكل على كرم وقرابة الأسرة لكن مافتئ كثيرا حتى انكشف لثام الخديعة وظهرت خطوط التدبير على وجهه كان يطمح لئن يملك قلب الفتاة بثمن بخس دراهم معدودة وقرابة قريبة تشفع له، لم يدم الود بين الفتاة وفتاها فقد ختمت بخاتمة "التثليث" أي بطلاق لا رجعة فيه...ألقت الأم باللائمة على ابنتها المسكينة أنت السبب في كل شيئ ....أنت من دفعه للطلاق ... ستدفعين ثمن فعلتك الخسيسة عندما تبكي ابنتك جوعا ولا تجدين ما تسدين به رمقها....ألقت الفتاة بالوسادة على رأسها واتكأت ثم أغمضت عيناها تستعيد شريط حياتها مع زوجها، أفزع ما هالها كونه يخاطبها بجبروت وكبرياء وتعنت... انفتل الحبل الذي كان يمسك بها ...أحست كأن الدنيا تفتح لها جناحيها صارت تحلم بفارس أحلامها وتتمتم في خلجات نفسها "سأكسب الرجل الغني من أسرة غنية لأسعد "
أمها جالبة "الفرسان" لا تمانع من زواج وحيدتها من أي أحد تكرر دائما(حفظ العرض أولى وأهم).
جاء تحقق حلمها في اختيار من تريد ومن ترغب...التقت به على قارعة الطريق وتبادلا نظرات إعجاب ...فرجعت بسرعة البرق تخبر والدتها نبأ "رجل الحلم "ردت عليها رضيت بما قدمت عليه وباركت لهما وتم عقد القران.
الرجل الجديد الغريب الأطوار أول ما التقت به هالها منظره وبهرجه يتمتع بجابية الشباب المتألق و"متلسكي" بلغة اليوم،تفوح منه رائحة العطر الزاهي ،يلبس فضفاضة من"أزبي "ويحتذي حذاء من آخر منتجات الموضة ...توالت الأيام وعاش في كنف الأسرة المتوسطة الدخل ،قد جهزت متكئه ووضعت بين يديه أنواع المشروبات وألذ المأكولات،يروح للعمل ساعتين فقط ،ويرجع بقية اليوم ليسترجع طاقته بما أوتي من متاع
يتلون كما تتلون الحرباء راح يتمثل مسرحية الدرويش وتمثيلية القس الراهب،لم تنطلي الخدعة على الفتاة الذكية فباتت تبحث عن طريق الخلاص وصار الطلاق بيدها بعد أن أنجبت ثاني طفلة من زواجها الثاني.
حدثت مشكلة بين الأبوين قلبت الموازين رأسا على عقب فحدث طلاق الحرمة وشد الرجل رحله إلى بلد آخر ،استراح خاطره واطمئن باله واجمتع له الشمل رجع كالعادة إلى ممارسة فن التجارة لم يكن الأمر صعبا بل كان عبارة عن روتين عملي لكسب ما يسد به رمق أولاده .
الفتاة تكسب خبرة في فن ميكانيكا السيارات راحت تبحث عن مهنة جديدة تليق بامرأة في سنها،دخلت عالم الشركات المتخصصة في المجال واحتلت مركز السكرتيريا بجدارة تحسد عليها ،لكن طعم النجاح لم يدم طويلا .
الفتاة بطبعها مازالت تحن لزمن المراهقة اشغلت وقتها في جولات وأسفار (تقاس على رحلات ابن بطوطة) بين مختلف الولايات وانتشر ذكرها في كل مكان تزوره صارت حديث القوم،فتحت صالونا للتجميل وكثر رواده ومرتادوه واتسعت بذاك سمعتها في أوساط الشباب.
اختارت سبيلا آخر حيث توطدت علاقتها برجل مؤسساتي كبير يشغل منصبا رفيع المستوى في إحدى الشركات الضخمة توجت بزواج بين الاثنين،
لم تنجح للمرة الثالثة من زواجها الثالث لأمور تتعقد بتعقد عادات وتقاليد المجتمع الجديد على الفتاة،رجعت كعادتها إلى عالمها الأول حيث اللهو والمجون لاتريد أن يعكر صفوها حياة الأبناء وأوامر الزوج،تريد أن تعيش حياتها وحدها كما تحب لا كما يملي عليها الواقع.
استأنفت جولاتها من جديد تمضي الليالي ذوات العدد وما وجدوا عنها خبرا.
انتبهت أخيرا لسيرتها وقررت أن تنهي مشوار حياتها الممل ....
بكت بكاء الحسران وتنهت طويلا وسالت دموعها كالسيل العارم على خدها ...
تسأل نفسها أهذا حلم أم حقيقة؟
دخلت على أمها تحكي لها ،أبصرت الأم وحيدتها حزينة مكسورة البال فقاسمتها الأحزان وارتسم على وجهها غبار الآلام ،ساد جو الكآبة في لقاء المراجعة والتأوه على الماضي
عندما تنعدم مراقبة الأبوين لأبناهم وتختفي رابطة الود والحنان وتطغى روح المادة ويستولي شيطان الطمع والهوى تتغير بوصلة الحياة ونبقى واقفين على مفترق الطرق ويفقد الشخص قيمته التي يبحث عنها والتي من أجلها أوكل إليه خلافة الأرض .
من مجموع هذا كله يصير الانسان آلة يسير مع التيار حيث سار وحيث لا يدري خاتمة المسار ويندم ولات حين مناص ،لا يحكمه مبدأ إلا هواه يطلب السعادة بجمع المال ولو كلفه ذالك نفسه.
وكتب الروائي الكبير شكسبير (أن المرأة لا تطلب في الحياة إلا الزوج فإذا وجدته طلبت منه كل شيء) وصدقت كلماته هذه مع الفتاة إذ طلبت الزواج وجربت الأزواج فما وجدت ضالتها وما تبتغي تحقيقه من وراء ذالك.
محمد يحي ولد لحبيب
لغة جميل يحس فيها القارئ صدق العاطفة والتصوير الدقيق لبعض الوقائع في مجتمعنا,الي الأمام ياشباب الصطارة *حي المسلمين*,ولمن لايعرف السر في هذه التسمية أفسره, وهو أن بعض شباب الصطارة كانت لديهم صداقة مع زميل لهم في الدراسة وزارهم ليلة في الحي ,ولاحظ انهم يصلون العشاء جماعة في مسجد الهدى أو مسجد الحدائق وينصروفون للنوم مباشرة,على غير عادة شباب الأحياء الأخرى,ومن ذلك الوقت أصبح ينكت عليهم باإطلاق تلك التسمية *حي المسلمين*
ردحذفقصة واقعية تتكرر في كل وقت وحين نظرا لسوء التربية وانغماس الوالدين اللذان يتحملان مسؤولية استقامة الاسرة في أمور صبيانية لاتليق بمثلهم فالاسرة جذر المجتمع وإذا يبس الجذر ضاعت الثمرة (الاولاد)
ردحذف